وقف الطبيب مع مجموعة من الممرضات، يراقب الجهاز المثبت به أسلاك متدلية إلى جسم المريض وهو ينظر إلى تلك الإشارات في هذا الجهاز وهي تعطي نوعاً من الارتفاع والانخفاض إلا أنه بدأ بالانخاض قليلا.. قليلا.. ثم ما لبث أن توقف عند نقطة الصفر. قال الطبيب بصوت منخفض {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} التفت إلى من كان حوله.. فقال لهم بصوت منخفض.. عظم الله أجركم وغفر لميتكم.. ثم ذهب لمواصلة عمله.
نعم {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} هكذا الحياة الدنيا نزول وارتحال ولم يعلم الإنسان عن اليوم الذي سينقضي فيه أجله الذي كتب على جبينه، لاشك أن مغادرة هذه الحياة الدنيا مكتوبة على جميع البشر وعلى كل من يعيش على هذه الأرض.. بلا استثناء تحقيقاً لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، لقد ارتحلت من هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية أسوة بمن سبقها ممن قدر لهم ذلك بعد مرض مفاجئ أراده الله لها، ذلك حيث عانت من التعب والإرهاق ما الله به عليم صابرة محتسبة الأجر من الله، إنها الأخت منيرة بنت أحمد العبدان، زوجة أخي علي، وخالة أولادي، فليس لأي مخلوق يعيش على هذه البسيطة إلا وسيأتي أجله المحدود ويومه الموعود الذي لا يتقدمه ولا يتأخر عنه ولا مفر منه، مهما كان يعيش في أوج شبابه، وقوة جسمه ونشاطه.
ومما قاله الأستاذ عبدالعزيز بن علي الحميد عن أم عبدالله:
- رحيلك علمنا من جديد أن المحبة لا تشترى بالمال ولا تستجدى من البشر، إنه النداء الرباني، إني أحب عبداً فأحبوه، تجسد ذلك في محبة الناس لك البعيد قبل القريب.
- عزاؤنا برحيلك دعوات المحبين لك وثناؤهم عليك.
- هنيئا لك بهذا الحشد الكبير من عباد الله الذين وقفوا خاشعين لله يدعون لك بالرحمة والغفرة.
- هذا القبول والمحبة لك من البعيد والقريب نرجو الله أن يكون لك برفقة الدرجة في الجنة، وأن يعوضك خيراً مما فقدت، أنجبت رجالا يفخر بهم وهم ذخرك الحقيقي وعملك الذي لن ينقطع بإذن الله، نامي قريرة العين وسيل الحسنات تصلك بإذن الله، الذين آمنوا وما ألتناهم من عملهم من شيء.
- نسأل الله الكريم ذا الفضل والجود أن ينزلك منازل الشهداء والصالحين، وأن يجمعك بمن تحبين في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجعل ما أصابك رفعة لك وتكفيراً لسيئاتك ومضاعفة لحسناتك، فقد ذهبت إلى ملك جواد كريم. ليس باليد إلا التسليم والرضا بما كتب الله وقدره، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
كما نوهت الأستاذة سعاد الغضية حينما قالت: كانت أم عبدالله روحا وضاءة وابتسامة لا تفارق ذلك المحيا، وروحا تنبض بالحب للجميع، ونظرات تحنان تغمر كل من يقابلها، سمت أخاذ، وأخلاق حسنة طيبة، وسلام لكل من حولها لا تشعر وأنت بجانبها إلا وشعورك بأنك في أحضان أمك العطوف، تحادث الجميع وتتلطف معهم، تعاملها مع الصغار وسؤالها وحديثها اليهم وكأنهم أبناؤها الذين أنجبتهم لا تمل ولا تتذمر ولو طال الحديث معهم، حفرت في الذاكرة مواقف لا تنسى، أثر تربيتها لأبنائها وابنتيها حيث أرضعتهم البر والإحسان والبشاشة وحسن الخلق وقبل ذلك السخاء والكرم، إلى أن قالت: أكثر من إحدى عشرة سنة وهي مصاحبة لكتاب الله تلاوة وحفظا، تشهد لها دار البرهان لتحفيظ القرآن، في تميزها وحرصها على حفظ كتاب الله، في حفظها للنعمة وتدبيرها للفائض من الطعام حدث ولا حرج.
يعرفها الفقراء والمساكين فكم بفضل الله كست عاريا، وأطعمت جائعاً وشاركت في معروف، في مرضها لا تسمع منها إلا الحمد والشكر، ولعل ما أصابها من شديد الألم رفعة لمنزلتها في الآخرة، هذا ظننا بربنا الكريم، يوم الوداع كان يوماً مشهوداً بكثرة المصلين والداعين والمعزين، والكل دعا وأثنى وترحم فيا له من فضل، ربي إن أم عبدالله، وفدت إليك فيارب أكرم وفادتها، واغمرها برحمتك، واجعل القرآن أنيسها في قبرها، ارحمها وتجاوز عنها وأسكنها الفردوس الأعلى.
كانت رحمها الله قد وهبها الله الأخلاق الحسنة لا تضمر الحقد والحسد لأي شخص كان، تتجنب الكلام في عرض الغير وتحب مساعدة الفقراء وذوي الحاجة..
خلال ثلاثة الأيام المعروفة للتعزية توافد الكثير من الرجال والنساء لتقديم التعزية لزوجها ولأولادها ولجميع المقربين لها مع ما حصل من تقديم التعزية في المقبرة من الحاضرين، وقد أثنى الجميع عليها بما تستحق من الثناء الطيب والدعاء لها والناس شهود الله في أرضه، وقد صلي عليها بعد صلاة العصر من يوم الاثنين الموافق 20-7-1438هـ في جامع الخليج المعروف بجامع أبونيان في بريدة، فرحمها الله رحمة واسعة وأسبغ على قبرها شآبيب رحمته.
إنني وعبر هذه الأسطر المتواضعة وبواسطة جريدتنا المفضلة «الجزيرة» أشاطر أخي علي وأبناءه: عبدالله، ومنصور، ومحمد، وعبدالرحمن، والشيخ أحمد، وعماد، وابنتيه عواطف ومريم ولجميع الأسرتين من الطرفين التعزية بهذا المصاب الجلل.
إني أعزيكم لا أني على ثقة
من الحياة ولكن سنة الدين
فلا المعزي بباقٍ بعد تعزيته
ولا المعزى ولو عاش إلى حين
وقيل أيضاً..
وما الناس إلا سابق ثم لاحق
وآبق موت سوف يلحقه غدا
فعظّم الله أجر الجميع وأحسن العزاء وجبر المصيبة، فـ{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. والحمد لله على قضائه وقدره. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين..
عبدالعزيز بن عبدالله بن سليمان الحميد - الرياض