جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد يوم حافل شهدته الرياض التي كانت وتستمر اليوم قبلة وبوصلة يتبعها المراقبون ومحللو العلاقات الدولية والباحثون والدارسون للعلوم السياسية والاستراتيجية، لأن كما الأمس يصنع اليوم التاريخ في الرياض، وليس التاريخ الجديد للمنطقة «المنطقة العربية وإقليمها الأهم، إقليم الخليج العربي»، بل العالم أجمع وبالذات العالم الإسلامي الذي عانت دوله وشعوبها من «فوبيا» الخوف من المسلمين والإسلام بسبب توظيف أعداء الإسلام ومن داخل أبنائه أشراراً شوهوا صورة الإسلام والمسلمين.
تصحيح المسار وكتابة التاريخ بصناعة معاصرة، لا يمكن أن يتم إلا من خلال قوى قادرة لها إمكانية التمكين وهو ما شهدته الرياض أمس في اليوم الأول لزيارة الرئيس ترامب للمملكة العربية السعودية ولقاؤه الأول مع خادم الحرمين الشريفين لتمهد قمتهما الهامة النهج الجديد العلمي والعملي الصادق بين المسلمين وبين الغرب، ولأن أي بناء وتأسيس نهج لا يمكن أن يتم إلا من خلال التزام وتبنٍّ قوى ومراكز محورية، كانت قمة الأمس بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، القائد والرجل الذي يحظى بتقدير واحترام وثقة أبناء الأمة الإسلامية، فهو الذي يقود مسيرة بلاد الحرمين الشريفين ويحرص على خدمة مقدسات المسلمين ويذب عن قضاياهم، فهو إذاً سنام الأمة والمحارب الدائم عن المسلمين كافة، والرئيس ترامب يقود بلاداً هي رأس هرم الكتلة الغربية التي تضم أهم الدول صناعياً وسياسياً وعسكرياً، ولهذا فإن بداية صنع التاريخ بدأ بالقمة الأمريكية- السعودية التي لن تعزز وتسهم في تثبيت الشراكة الاستراتيجية بين أمريكا والسعودية، بل تؤسس وترسي العلاقة الاستراتيجية بين المسلمين والغرب، إذ إن وجود علاقة قوية ومميزة بين قطبي القوة بين الكتلتين الإسلامية والغربية هو ما يفتح طريق النجاح لعلاقتهما الاستراتيجية المنتظرة، وآخر أكدت قمة سلمان- ترامب العديد من تطابق المواقف التي بحثت في الاجتماع الهام، وبالذات أزمات وقضايا سوريا واليمن وإيران وتعزيز الحرب ضد الإرهاب بكل صوره ومواجهة القوى الداعمة من دول وأنظمة والتصدي لكل الأذرع الإرهابية بكل أوجهها الطائفية والمذهبية والعنصرية.
القمة السعودية- الأمريكية التي ستمهد النجاح للقمتين الخليجية- الأمريكية والقمة العربية الإسلامية- الأمريكية أعطت حيزاً واهتماماً واسعاً لتعزيز وتقوية العلاقة والشراكة الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا ليس فقط في المسائل الأمنية والسياسية بل توسيع نطاق التعاون والتعامل الاقتصادي والصناعي، ويكفي الإشارة إلى أن أهم وأكثر الشركات الصناعية الأمريكية يتواجد رؤساؤها التنفيذيون في الرياض، لتكون قمم الرياض الثلاث لا تقتصر على صنع وكتابة تاريخ الجديد للمنطقة، بل بدء العمل لتحديث وتطوير وصناعة قوة صناعية واقتصادية في المملكة العربية السعودية لتكون قادرة على أن تكون مركزاً للثقل الاقتصادي والسياسي الجدير بالريادة وقيادة العالم الإسلامي الذي وضع ثقته بقيادتها وأهلها ليكتمل دورها في خدمة المسلمين دنيوياً ودينياً، ومثلما نجحت في خدمة ورعاية مقدسات المسلمين والحرمين الشريفين، ستتمكن بدعم من الخالق العظيم من تأدية دورها في خدمة المسلمين سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً.