د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نتفق جميعاً أن التعليم المتفوق لا يتفق مع السياسات الآفلة، وأن الضغط على المدارس أصبح كبيراً في السنوات الأخيرة إلى حد مبالغ فيه، وأن الهدوء التعليمي واليقين المدرسي قد فارق المدارس عندما تعددت مرجعيات التلقي، وأصبح المنتج التعليمي الواحد في مضمونه يرد للمدارس بأغلفة مختلفة، وأصبحت المدارس تقضي جلَّ أوقاتها في تطبيق منتجات هامشية الأثر والتأثير ليس للطلاب منها إلا اللمم طاعةً ويقيناً، وخيمت العلاقات الفاترة بين المستهدفين الحقيقيين وهم الطلاب وبين مدارسهم، لأن المدارس فقدت الأوقات الهادئة التي يجب أن تقضيها مع الطلاب لتجعل من الجماعات المشتركة منهم مصنعاً للإيجابيات الحافزة والممارسات المفيدة، وتجعلهم يتقاسمون الاختلافات الطبيعية فيما بينهم لتصبح تلك الاختلافات مصدر تنافس يحقق اليقين المدرسي وتجعلهم يتقنون طقوس الاحتفاء بالمنجز فلا يمزقون كتبهم الدراسية ويقذفون بها في الشوارع ليشهد المارة على واقعهم الذي ترجموه بسلوك نافر مهين، نعم لقد حالت بين الطلاب ومدارسهم أرتال من خطوط التعبئة الملزمة؛ وأصبح منظراً معتاداً أن يحتفل الطلاب بالخلوص من المدارس والخروج منها وصفق الطلاب للأمطار والغبار حيث تمنحهم تشريعاً لمغادرة أوقاتهم المدرسية الفاترة كما يرونها، وأصبحت الدافعية والطموح في انحسار واضح جلي، فالمسألة مركبة ولكنها ليست مستحيلة الحلول. ونعلم أن هناك من الموجهات التربوية في مجال السلوك ما تفتقت عنه السياسات التعليمية في السنوات الأخيرة، فهناك برامج التوجيه والإرشاد، والكيان الجديد «فطن» وأخته «حصانة»، وكذلك الأنشطة الطلابية التي بدا واقعها فواراً؛ ولكنه ما زال خارج المدارس ولم تتم بينه وبين الطلاب اتفاقيات حافزة!!؟
ولا ننسى برامج الأمن والسلامة التي جنحت للسلم منذ تأسيسها!!؟ ومن هنا أجزم أن الاحتواء الأمثل للطلاب أفراداً ومجموعات، وتفقد واقعهم وتفقد عمق الفهم عندهم لمحتوى المقررات وإتقان تطبيقات المنهج، كفيل بأن لا يغادر الطلاب محطاتهم وهم ناقمون على واقعهم المهمل. جميع ذلك يجعلنا لا نحتاج إلى أن نقذف التهم عند أي تقصير في التحصيل أو السلوك نقذفه على رؤوس الطلاب، ومع الزمن ندحرج التهم لقيادات المدارس، كمَا نحتاج أيضاً إلى تخصيص الإرشاد الطلابي لأنه مقوم أساس لصناعة الطلاب الأسوياء، فواقع الإرشاد الطلابي يحتاج إلى بساط آخر لابد أن يُحكَم نسجه.
ولابد لأسلوب التشغيل في المدارس من أن تناله يد مطورة تبدأ حراكها من المدرسة ذاتها، وتطوير أسلوب التشغيل لا يعني التطوير الرقمي الذي حزنا جوائز العالم فيه، فذلكم من إنجازات التعليم المحمودة وإن لم تستطع تلك الجوائز حماية المعرفة المحفوظة في كتب الطلاب من الإعدام على رؤوس الأشهاد!!؟ كما ونأمل أن ينتشر الهدوء التعليمي وتعود السكينة للمدارس حتى ينعم الطلاب بالدعة الممكنة من التحصيل العقلي والتهذيب السلوكي المراد، فقواعد التأسيس ينبغي أن تكون متينة، ولن يشيد البناء من يتجاوز جذور المشكلة إلى حياض المنفذين، وذلك بتكريس الاستجابات الإجرائية على حساب الرؤية والأهداف العامة، ولابد عندما تُقرَّر النشاطات التعليمية أن يُدرس بدقة تأثيرها على المتغيرات ذات العلاقة؛ كما يحتّم واقع الطلاب الذي لا تحتويه النعوت؛ أن يدعم التعليم في إستراتيجياته بمدونة قانونية تكفل جميع متطلبات التشغيل في المدارس بما في ذلك الكتب الدراسية في المدارس. ومن الأولويات الحاضرة حتماً تصميم وعاء تنظيمي يجمع الأسرة والطالب والمجتمع المحلي المحيط، وتكون انطلاقته من المدرسة، وأن تحتضن المدرسة ممكنات تشغيل مستقلة بعيدة عن المرجعيات المزدوجة التي عصرت المدارس.
وختاماً عندما تكون المدارس بيوتاً آمنة للطلاب فإنهم حتماً سوف يحافظون عليها، وبوح آخر لمن يصنعون الآن معايير بناء المنهج، فواقع الطلاب يلزم أن يكون مدار المعرفة في ذاك مداراً وطنياً عميقاً..