سعد بن عبدالعزيز الجنوبي
يتمثل وعي الخاصة في أن مكافحة الفساد عمل يرتكز على مسارين يعضد أحدهما الآخر، والجهد يمضي في كليهما على نحو متوازن بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، الأول هو «المعالجة والضبط» لجرائم الفساد والآخر هو «الوقاية» من الفساد، والأخير تتم مُقاربته من خلال التعامل مع كُلٍ من «الفرصة» و«الاستعداد»، وذلك بتضييق الفرصة ما أمكن ذلك من خلال الأنظمة والإجراءات (لو لم تكن هناك فرصة لم تكن هناك جريمة)، وإضعاف الاستعداد لمباشرة الجريمة ما أمكن ذلك عن طريق التعليم والتوعية لإعادة صياغة الثقافة المجتمعية.
أما وعي العامة فهو لا يُعنى بهذه التفاصيل ويراه مُتمثلا فقط في ضبط الفاسدين وإدانتهم ووضعهم خلف القضبان واستعادة ما أخذوا ونهبوا من أموال، وبدون ذلك فأي جهد يُبذل فهو هدر للطاقات.
تأسيسا على ذلك فقد تكون هناك صعوبة لوضع تصور حول رصيد النزاهة على الصعيد الوطني لاختلاف الرؤى بين هذين الوعيين، وهذا الإشكال قد يكون بسبب عدد من المعطيات ذات العلاقة بالفكر السائد في المجتمع وما يفرضه من محددات، فعلى سبيل المثال لدينا حالة من الانفصام بين التصور المثالي الذي يرسمه المواطن حول ذاته والدور الذي يمكنه القيام به كمواطن، ورؤيته للدور الذي يجب أن يكون عليه المسؤول الحكومي أداءً و نزاهةً وحياداً، مع وجود استعداد للإزاحة للغير متجذرة في الثقافة المجتمعية ومن ذلك إزاحة جميع المشاكل التي تعاني منها البلد إلى الأداء الحكومي والمسؤولين المقصرين بشكل عام والفاسدين بشكل خاص حتى لو كان المواطن ذاته جزءا من المشكلة .
ولو سلمنا بصحة هذا التصور فقد نكون أمام إشكال عميق في الثقافة المجتمعية ؛ فالمواطن الذي ينتقد الفساد والمفسدين هو المواطن ذاته الذي يمارس الفساد عندما تتاح له الفرصة، وتتطلب معالجة ذلك أنه بالقدر الذي نحتاج فيه إلى تتبع المفسدين وجعل تكلفة الفساد باهظة على من يمارسه، فإن علينا أن نعمل على إصلاح الثقافة المجتمعية، فالمواطن هو من يساعد الموظف الفاسد على الاستمرار في مخالفته أو فساده بقبول التعاون معه وعدم التبليغ عنه، وهو ذاته الذي ينقلب على دوره بعد أن يصبح مسؤولا.
وفي سياق آخر فقد تكون هناك حاجة للتقارب بين رؤية الخاصة ورؤية العامة ليعلم الأخير أن مكافحة الفساد عمل دؤوب والمعركة معه لا تكون بالضربة القاضية وإنما بتسجيل النقاط، ويتم الاعتماد فيه على سجل الإنجازات التراكمية في تفاصيل متعددة عبر مدى زمني طويل، لمواجهة محددات الثقافة المجتمعية التي قد تجعل الرأي العام ميالاً لتعجل النتائج وإن اتسمت بالمبادرة الفردية على العمل المُمُنهج المخطط له إذا ترتب عليه تأخر في الإنجاز.
وبتتبع أثر وسائط النقل الاجتماعي على وعي العامة يمكن القول بحدوث تغيير كبير في الطريقة التي يتم بها تشكيل هذا الوعي فبدلا من الصحف الورقية التي كان عدد محدود من كتاب الأعمدة فيها يشكلون وجهة ودفة الرأي العام، فقد أفرزت هذه الوسائط المئات والألوف من المدونين - سواءً بأسمائهم المباشرة أو من خلال المعرفات الوهمية- الذين أصبح لهم كبير الأثر في تموج وتذبذب الرأي العام سواء من خلال الأخبار الصحيحة أو التي تتسم بالإثارة، مما أحدث حالة من تذبذب الرأي العام بدلاً من وجود اتجاه واضح له.
وبناء عليه فإن الصور الذهنية التي يكونها المواطن تعتمد على عدة عوامل قد تتجاوز الإطار الموضوعي، ومن أهم العوامل المؤثرة هو أن الحديث عن الفساد ظل حينا من الزمن ضمن المحرمات التي لا يمكن تناولها في العلن، ورغم إدراك الوعي الجمعي لواقع الفساد فقد كان الحديث عنه مكبوتا، وحينما أُتيحت الفرصة كان التعبير انفجاراً مدويا وجاء على نحو يتجاوز التوصيف والتوقعات.