نادية السالمي
بعيدًا عن جريرة التحريض، أو التشفي من الفشل الذريع، أو الانتقاص ممن لهم باع طويل في حرب الكلام الضروس
أود أن أقول: ماذا بعد..ثم ماذا بعد..وبعد؟
لاستفهام «ماذا بعد» أزلية وسرمدية باقية لن تفنى إلا بفناء العقيم من النقاشات التي لا جدوى منها.
أنتما كغيركما تطحنان الحَب المطحون وتكرران ما ورد سابقًا وما سيرد لاحقًا.. نفس الشواهد التاريخية والاجتماعية، وبأسلوب علمي ثقافي بديع سيأتي ثالث يُخضعها لنظريات علم النفس والاجتماع وحتى الفلسفة ويربطها بسيكولوجية الإنسان!.
ما يحدث أكبر من مذهبي يرى ومذهبك يرى، فهذا ممكن حله بفرض الوعي.. ما يحدث «أزمة ثقة» يزداد قطرها لأسباب فوق الجميع، وتحت بند الكيّس من اتعظ بغيره، استظل الجميع وتمسك بشيء من أفكاره وخوفه.. وعذره وكامل الحق معه.
إذا كانت بؤرة التخبط هذه بين المثقفين فرجاءً لا تحمّلان المواطن البسيط «سني وشيعي» أكثر مما يحتمل، الثقة إذا سقطت -على مستوى شخصي واجتماعي فكيف بالسياسي والديني- لا تعود إلى مكانها الطبيعي إلا بعد جهود جبارة وغالبًا لا تفضي إلا إلى عدم الثقة. المثقف الشيعي لن يقدم للسني الشعور بالأمان إذا تجوّل في القطيف، كما أن المثقف السني لن يمنح الطمأنينة للشيعي الذي تراقب ردة فعله -على ما يحدث في الوطن العربي- العيون فعلام الشعور بالتفوق على الآخر؟!.
(أقلية..أكثرية) مصطلحات واردة في كل الأوطان ويتحسس منها المواطن في كل وطن، وتنفجر في نفوس أهلها بين الحين والآخر حتى في بلاد القانون، وهي جدلية أزلية لن تزول، ومن المفترض أن المثقف تجاوزها، وما عادت تحرجه أو تجرحه، ولا يرفعها ويستخدمها كسلاح يَغلب به تارة ويُغلب به تارة أخرى، إذا كانت هذه معضلة المثقفين فكيف بالعامة؟!
قدر لنا أن نكون كأبناء وطن واحد جزء من هذا الصراع، وليس لنا إلاّ محاولة إكرام هذا الوطن، وستأتي في معيته كرامة أفراده ومن يعيش تحت ظله، بناء الثقة دور السنين القادمة إن أفلحت فيما لم تُفلح فيه الماضية فهو الخير بكامل جلاله، وإن فشلت فليس أقل من الاحترام للجميع وبقاء أعين الجميع مشرّعة على الجميع.
محاولات معالجة الوعي تكريس لقلة الوعي:
لم ينجح في معالجة الوعي من المثقفين أحد حتى من وقف ضد طائفته، إما لعجز وعيه على الصمود، أو بسبب مشانق نصبت له في ساحة أوهام طائفته والطائفة التي وقف معها، فانتهى لحظة تمرجحه فيها، ما يعني أن الوعي ضعيف والإمدادات التي كان من الممكن أن تسعفه ضعيفة أو انقطعت ولا رجاء فيها، وأزمة الثقة القاتلة لا حل لها إلا بالقانون وفي الأثر خير شاهد وأثر «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن».. يفتح سلطان القانون ذراعه للجميع ويقف على نفس المسافة من الجميع، طالما أن الأمور ما زالت تحت السيطرة، فالقانون يجبر الوعي المنعدم على الوعي بالقوة، ولا يترك لأهل الغوغاء والفتن إلا الانصياع والامتثال له أو الهجرة من موطن لا موطن فيه للفتنة.
الحزن الصادق والكاذب:
في صراع الطوائف لا حزن إلا حزن الأمهات ولا غصة أمام أزمة الثقة أكبر من غصة الوطن والبقية المتجمهرة للسباب والشتائم، وتبادل التهم مع كل حدث حزنهم إلى زوال مع أقرب فرحة تهفو إليهم، حتى لو كانت الفرحة بصراع جديد يتجمهرون حوله.
من لا يعرف قيمة الوطن يربيه القانون، ومن يجهل قدر شريكه في الوطن يعلمه القانون.