محمد عبد الرزاق القشعمي
كان من أهم ما يدور في تلك الجلسات استعراض الأحداث التي حصلت في أزمان مضت للخروج منها ببعض العبر، وبعض القصص والمساجلات بين كبار الشعراء، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الدكتور عبدالله الصالح العثيمين -رحمه الله- في مقال نشره بجريدة الجزيرة معلقاً على إحدى زياراته لمجلسه، قال فيه: ((.. من حسن حظي أن أبا محمد الواصل في الرياض، فاتحاً مجلسه العامر، وفالاً حجاجه الأريحي، وواهباً فكره وذاكرته.
حين تتاح لي الفرصة أذهب إلى مجلس أبي محمد الذي هو مجلس ما فيه نفس ثقيلة، على حد قول راكان بن حثلين، فأتمتع مع من يتمتعون بما يقصه من شعر، وما في قصصه التي يرويها إلا الجميل، ولا في شعره الذي يرويه إلا الرائع)).
ويقول عنه الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي: ((هذا الراوية الموسوعة الذي إن حدثك شدك بأسلوبه، وبهرك بتهذيبه، وإن سألته باختصار أجابك بإطناب لا يمل، فتمتاح من عد لا ينفد)).
وقال عنه الشاعر راشد بن جعيثن محرر صفحة الأدب الشعبي في مجلة اليمامة: ((كان لليمامة حظوة تلقي تعقيبات الراوية الشيخ إبراهيم الواصل في عام 1399هـ عندما اختلف الرواة على قصيدة الشاعر سلطان بن فرزان، لذلك اتجهت لمنزله بعدما علمت عنه... وعندما التقيت به وجدتني أغوص في أعماق محيط من علم فن الرواية الموثقة، وكذلك علم الأنساب وفضل مشع في جبينه، وصفاوة تدفع بالطموح إلى الأمام، وأذكر تعليق للشاعر أحمد الناصر الشايع (( ليس هناك أدق وأجزل من رواية إبراهيم الواصل)).
واستمر ابن جعيثن قائلاً: ((.. استمرت العلاقة مع الأب الروحي للرواية وكان بين الرواة والشعراء هو المقدم في محافل الأمسيات الشخصية، فالاختلاف ينتهي عندما يدلي بدلوه بالقضية لأنه يوثق الحدث بالتاريخ والشواهد الشعرية..)).
أما الشاعر سليمان العويس فيصفه بقوله: ((الواصل تجتمع فيه خصال الصدق والكرم والوفاء..)).
فيقول عنه الدكتور فايز الحربي: ((.. إن الواصل يتميز بذاكرة قوية واستيعاب متميز للقصص والروايات التي حفظها ووعاها منذ صباه حتى أصبح مرجعاً في الأدب الشعبي بجميع أنواعه، واشتهر بذلك وعرف عند الخاص والعام.. أن مجلسه مجلس رجولة ووقار يغشاه أهل العلم والأدب والرواية الشعبية، وكان -رحمه الله- هو الذي فرض هذه المكانة من خلال انضباطه في مواعيد مجلسه ومن خلال إدارته المتميزة)).
وقيل عنه وعن مجلسه كثير مما لا يتسع المجال لذكرهم كما كان يحضر مجلسه كثير من الرواة والأدباء مثل الرواية منصور بن منيع والأديب أحمد الدامغ والشاعر عبدالرحمن العبدالكريم، والشاعر سليمان الشريف، والراوية إبراهيم اليوسف، وصلاح الزامل وعبدالعزيز الذكير وحمد الصغير والحميدي الحربي وصالح العميم وأحمد الواصل وغيرهم، وممن لا يسعني إغفالهم مثل الأديب عبدالرحمن السويداء الذي وصفه بأن له أسلوباً مغناطيسياً لجذب الأسماع والقلوب إلى حديثه الساحر وبيانه الباهر في أسلوب رشيق وعبارة مرحه يفهمها الخاص والعام..
أما الدكتور إبراهيم التركي فيقول ((.. إنه ثبت يعي ولا يدعي، وهو ثقة يحفظ ويستدعي..
إبراهيم الواصل معاصر يعيش في القديم وأصيل يتعايش مع العصر، وفي مجلسه الصغير والكبير والقاصي والداني والمثقف والعامي والتقليدي والحداثي وكلهم مصغ لإفاضاته دون أن يحس أن عالمهم وعاملهم على حد سواء أنه في حضرة راوية استثنائي قل أن يجود بمثله الزمن وهكذا الكبار لا يعرفون الكبر..)).
لقد كان الواصل يصحح بعض الأخطاء التي تنشرها الصحافة سواء في صحة القصيدة وصوابها واسم راويها ومناسبتها مثل ما نشرته مجلة اليمامة في 25-10-1421هـ، حيث ورد خطأ في بيت من الشعر وخطأ آخر في قائله، فظهر التصحيح في العدد 1642 الصادر في 9-11-1421هـ والبيت هو:
يا طول يوم الشغل يا قصر يوم الكساد
يا كود جمع الفلوس وهون تفريقها
والشاعر عبدالوهاب بن زيد بن فياض (وهيِّب) من روضة سدير عاش في الزبير والكويت.
كما صحح ما نشرته جريدة الجزيرة بتاريخ 20-7-1420هـ عما جرى بين الشاعرين سليمان بن شريم وعلي إبراهيم القري بالكويت، وغيرها.
ولعلي أختم هذه الإطلالة بما قاله الشيخ محمد الناصر العبودي في (معجم أسر عنيزة) في حديثه عن أسرة الواصل قائلاً:
((.. ومنهم إبراهيم بن محمد الواصل راوية للشعر والقصص والأسماء، وكان من أبرز طلاب الأستاذ صالح بن صالح الناصر في مدرسته الأهلية قبل أن تصبح حكومية.
عمل في أمانة مدينة الرياض عندما كان الأمير فهد الفيصل الفرحان أميناً لها، ثم انتقل إلى مصلحة معاشات التقاعد رئيساً لقسم السجلات في المصلحة إلى أن تقاعد.
وبقي بالرياض حتى توفي في الرياض عام 1424هـ -رحمه الله-، وهو من رجالات عنيزة المعروفين، وكان منزله منتدى للشعراء والأدباء والرواة وأعيان البلاد من أهالي القصيم وغيرهم)).