1 - ص 74 حول تأكيد المؤلف لخبرة أبي الطيب في الفيافي والقفار، واستنتج ذلك من خلال ما يذكره أبو الطيب في شعره من المواضع والأماكن. ومثل هذا الاستنتاج لا يصح على إطلاقه؛ ذلك لأن ما ذكره المتنبي في شعره من الأماكن والمعالم لا يعني أنه وقف عليها جميعها مشاهدة وعياناً؛ إذ ربما يكون كثير منها من مخزون اطلاعه وقراءته في آداب العرب وأشعارها وأخبارها. وفي هذا السياق أورد الباحث في الدلالة على خبرة المتنبي ومعرفته بالفلوات قوله:
صحبت في الفلوات الوحش منفرداً حتى تعجب مني القورُ والأكم
ألا يكون هذا القول من مبالغات أبي الطيب في الفخر بنفسه، وهو من المكثرين في ذلك.
2- ص 74 - حول كلام كافور لأبي الطيب الذي جاء عند ياقوت حين طلب المتنبي ولاية صيداء, فقال له كافور (أنت في حال الفقر وسوء الحال...). عقب المؤلف على ذلك بقوله (أشك كثيرًا كما شك غيري، بل أكاد أجزم في صنعة هذا الخبر...). أقول: لماذا الشك أو الجزم بأن الخبر مصنوع؟ فكافور أحس بخيبة الأمل من المتنبي, ولم يجد فيه ما وجده سيف الدولة من المتنبي، وأدرك قصد أبي الطيب من حضوره إليه, فلا غرابة أن يكون مثل هذا الكلام موجهًا للمتنبي ممن بيده السلطة, ومن هو كذلك الصرامة واردة عنده.
3- ص 57 - وثق نصاً من تاريخ ابن عساكر بإحالة قاصرة؛ إذ لا تعرف الطبعة التي أحال إليها، وللكتاب أكثر من طبعة, ولم يذكره المؤلف في قائمة المصادر.
4- ص59-60 - في تعقيب الباحث على قول أبي الطيب: (مُنى كن لي.....) قال: هل تحولت كل آماله في الإمارة إلى منى لم تتحقق، وأضحت ماضياً مؤلماً؟ (ربما) إيراد (ربما) في هذا السياق غير مناسب؛ لأن الجواب نعم تحوّلت, والمعروف أن (ربما) من حروف المعاني، وتأتي للتكثير والتقليل، ولاحظت أن الباحث يستخدمها ويعقب بها في سياقات عديدة؟
5- ص 84-85 - حول القول بمساعدة الفرغاني للمتنبي في الهروب, هذا القول مثار تساؤل, فكيف يساعده على الهرب, وهو يحمل من المتنبي رسالة إلى كافور، فيها تهنئة له, وإذا كان قد ساعده كيف يجرؤ على إيصال الرسالة لكافور؟ ألا يخشى من كافور, ومن الظن أنه ساعد المتنبي على الهرب؟ وقد كان الفرغاني من الرقباء, وربما كان قصد المتنبي بإعطاء هذه الرسالة ليصرفه عن مراقبته.
6- ص 94 - تأتي بعض المناقشات عنده لبعض الباحثين غير مقنعة ودقيقة، كما نجده في مناقشة الدكتور جبر (ونعتقد أن الطريق الذي سلكه المتنبي يوازي درب الحاج المصري إلى الجنوب منه.. لأن المنطقة التي جنوب درب الحاج أوفر ماءً، ولاسيما ما كان منه في سيناء). وهنا عقب المؤلف قائلاً (إن قوله عن هذا الطريق أنه [أوفر ماءً] محل نظر؛ إذ لو كان كذلك فينبغي أن نسأل الحجاج كيف تركوه وسلكوا طريقاً يشح فيها الماء؟ بل كيف تنبه المتنبي إلى ما لم ينتبهوا له). ومن يتأمل كلام الجبر لا يجد فيه ما يوحي بهذا النقد له؛ لأن الذي ذكره لا يفيد جهل الحجاج بالطريق الذي فيه وفرة ماء؛ فقد أشار إلى أنه طريق يوازي الذي سلكه المتنبي, ثم إن المتنبي قد يكون استفاد من بعض أهل الخبرة بالطريق، وعرف منهم الذي هو أوفر ماءً.
7- ص100 - وقف الباحث عند كلام للدكتور جبر، ذكر فيه (مصر)، ثم وضع بين قوسين القاهرة, ثم ذكر أن أرض التيه هي سيناء. وعلى هذا الكلام وجه الباحث نقده قائلاً: وهذا التحديد لا صحة له على الإطلاق, وفي ذلك تعميم لا يقبل على الإطلاق؛ لأن الباحث نفسه أشار في الصفحة نفسها إلى أن أرض التيه جزء من سيناء, فإذا كانت جزءاً هل يصح أن يقال: لا يقبل ذلك على الإطلاق.
8- ص 102 - ذكر أن الخالديين ألفا كتاب (الحماسة)، وهذا الاسم لكتابهما ليس دقيقاً؛ لأن ما ألفاه عنوانه الصحيح (الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهلية والمخضرمين)، حققه الدكتور السيد محمد يوسف، وصدر في طبعة الأولى عن مطبعة لجنة التأليف - النشر عام 1958.
9- ص105- حول تحول كلمة (نجه) إلى (نجع) يقول: وللسائل أن يسأل كيف تحولت كلمة (نجه) إلى (نجع). وذكر في إجابته السهلة أن الحرفين الهاء والعين فيهما يتبادلان؛ لأنهما حرفان حلقيان, ونقل عن الأربلي كلامه هذا (أما) التنبيهية. وأول ملحوظة على ذلك أن (أما) ليست تنبيهية فقط؛ لأن لها أكثر من دلالة, كما ذكر ابن هشام في مغني اللبيب. والملحوظة الثانية أن الإبدال في همزة (أما) إلى عين وهاء إنما يكون قبل القسم، ويكثر هنا كما جاء في قول الشاعر:
أما والذي أبكى واضحك والذي
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
فهل ينطبق ذلك على ما ذكره عن (نجه, ونجع)؟
10- ص 117, 118 - قوّل العلامة محمود شاكر ما لم يقله؛ إذ فهم من قوله (ولم يكن أبو الطيب في مخرجه من مصر يريد مكاناً بعينه يقصده, بل كان متردداً بين أن يقصد المدينة ويقيم بها, أو يقطع في رحلة الفلاة إلى نجد, أو يتجه إلى العراق). وفهم المؤلف من هذا الكلام أن العلامة محمود شاكر استخلص من بيتي المتنبي أنه توجه إلى المدينة ليقيم بها, وأنه توجه إلى نجد.
ومن يتأمل كلام الشيخ محمود شاكر لا يجد فيه تحديدًا معينًا لوجهة أبي الطيب, بل كلامه يوحي أن أبا الطيب كان متردداً، لا يريد مكاناً بعينه, وهو الفهم الصحيح لشعر أبي الطيب في هذا الصدد حين قال:
وأمست تُخيرنا بالنقا
ب وادي المياه ووادي القرى
وقلنا لها أبن أرض العراق؟
فقالت ونحن بتر بان: ها
11- ص 164 - حول تحيد الشيخ حمد الجاسر لموضع (العلم) في قول أبي الطيب:
طردتُ من مصر أيديها بأرجلها
حت مرقن بنا من جَوْش والعلم
حين قال: أما (العلم) الذي ذكره المتنبي فهضاب لا تزال معروفة بهذا الاسم، تقع في الجانب العربي الجنوبي من بُسيطة. وعقَب المؤلف على هذا الكلام بقوله: (قلت: وتحديد الشيخ حمد - رحمه الله - لموقع [العلم] تحديد مخالف - فيما أظن - لموقعه الحالي المعروف). وبعد هذا النقد بسطور نجد المؤلف يستشهد بتحديد الشيخ حمد الجاسر مؤيداً, ووجد فيه تأييداً لصحة ما ذهب إليه؛ ذلك لأن الشيخ حمد جاء بالتحديد الذي ذهب إليه المؤلف. وإذا كان الأمر كذلك فما حاجة المؤلف إلى الظهور بمظهر الناقد ظنًّا في موطن لا يستوجب ذلك, ولاسيما مع علم من أعلام الوطن العربي في الدراية بالمعالم والأماكن دراية لا أظن أن المؤلف يجهلها أو يدانيها.
هذا ما عنّ لي في القراءة الأولى لكتاب الدكتور المانع على خطى المتنبي, ولست أقصد من هذه الملحوظات سوى تسديد الخطى على درب البحث العلمي. وساحتنا العلمية بحاجة إلى القراءات النقدية الموضوعية الهادفة, وآمل أن أكون فيما سطرته من هذا القبيل, وأن يجد المؤلف فيها ما قد يفيد منه في طبعة أخرى.
والله ولي التوفيق
- أ.د. عبد الله عبد الرحيم عسيلان