سمر المقرن
من بعد ظهر يوم الأربعاء الفائت، انتشر مقطع فيديو بسرعة البرق بعد تصويره في نفس اليوم مباشرة، وقد وصلني عشرات المرات على الواتسأب، عن صاحب مكتبة اكتشف امرأة ساحرة -على حد زعمه- بعد أن جاءت له لطباعة طلاسم وأسماء كما يقول في الفيديو، أنا هنا لا أدافع عنها ولا تعنيني، بل أشد على يد كل شخص أن يكشف الفساد والإجرام، لكن كشف الفساد لا يكون بنشر المقاطع لأن في هذا إساءة وتشهير بحسب قانون الجرائم الإلكترونية، كما أن هذا الفعل يحوّل المجتمع إلى استخدام قانون الغاب، حيث يثأر الناس ممن يعتقد أنه مجرم بنفسهم من خلال النشر والتشهير والكتابة والتعليق والشتم، مع أن الآلية النظامية لمثل هذه الأمور أن يتوجه مكتشف الجريمة مباشرة إلى الجهات الأمنية، ويدلي بما لديه من معلومات، والجهات الأمنية هي التي تتخذ الإجراءات اللازمة، وليس النشر والتشهير وأفراد المجتمع، حيث ينشرون ويتحدثون ويحاكمون صاحب الفعل في تجاوز فاضح للجهات الأمنية وللقيم والأخلاقيات الإسلامية والإنسانية التي حافظت على كل البشر بما فيهم المجرمين، فحتى المجرم له حقوق وله «حُرمة» لا يجوز انتهاكها بالتشهير به!
ألاحظ أن الناس استسهلت تصوير ونشر كل شيء بلا أدنى حس وشعور بالمسؤولية، بل إن -بعضهم- يفتخر بالتصوير والنشر كما حدث في التسجيل الصوتي المرافق للفيديو الذي تم نشره بين صاحب المكتبة والساحرة -كما وصفها- إذ يتضمن التسجيل الصوتي شرح للواقعة التي لم يظهر فيها ممارسة أي سحر ولا أي شيء يثبت وجود طلاسم شعوذة، واعتراف بالتصوير بكل فخر وكأن المصور ينتظر مكافأة، ومن يفضح مثل هذه الجريمة يستحق المكافأة لو أنه ذهب للجهات المعنية، بينما النشر والتشهير هو في القانون إساءة تستوجب العقوبة.
أظن أن التصفيق الذي تقوم به شريحة كبيرة من المجتمع عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي للمصورين والناشرين، هو ما شجّع كثيرين على فعل هذه السلوكيات غير النظامية، أضف إلى ذلك عدم معاقبة من يقوم بالتصوير والنشر أو على الأقل عدم الإعلان عن هذه العقوبات، جعل الناس تستهل القيام بهذه الأفعال سواء تصوير أو نشر، أو حتى إدانة. الموجع أكثر في نشر هذه المقاطع -بشكل عام- أن الصحف الإلكترونية تعزز لهذه القضايا بنشرها وترويج المقاطع دون أي اجتزاء لصورة الجاني الذي حاكمه المجتمع، والمجني عليه في نفس الوقت من المجتمع، وهذا يوجب عقوبة أكبر وأن تكون عبر وزارة الثقافة والإعلام، حتى تضع حدا لمثل هذه الصحف التي تتجاوز كل الحرمات والأخلاقيات!
يجب أن يوضع حد لهذه السلوكيات، ليدرك المجتمع أننا لا نعيش في غابة، ما يمنح المجتمع الحق في محاكمة من يرتكب سلوكيات غير قانونية وتثبت عليه عبر مقاطع الفيديو، إذ تحول المجتمع بهذا إلى سلطة قضائية دون أن يشعر، بل دون وعي بأن هناك جهات أمنية وظيفتها التحقيق والتثبّت، وهناك جهات قضائية هي من تحاكم المجرم على فعلته، وليس المجتمع والناس.