د. ناهد باشطح
فاصلة:
(الحياة تشبه الحكاية المهم ليس طولها، بل قيمتها)
-حكمة لاتينية-
لم يعد سهلاً أن أكتب عن الموت والفقد بعد فقدي قبل عام لزوجي وأعرف أي وجع يصيب أهل من رحل وأصدقاءه.
لكن ثمة شيئاً كنت انتقده فلما خبرته وجدته مختلفاً، إذ إنني كنت من منتقدي التأبين وأتساءل باستنكار عن تكريم الراحلين وهم ليسوا بيننا، بل في رحاب عالم آخر.
كنت أقول ما جدوى تكريم الراحلين؟
لكنني اليوم أقول هناك فوائد كثر، فالتأبين هو بمثابة العزاء لأهل الفقيد وخصوصاً إن كان له تاريخ حافل بالعمل والكفاح لأجل العدالة والقيم الإنسانية.
تركي السديري ملك الصحافة الذي رحل قبل أيام له في وجدان الكثير من الصحافيين مواقف نبيلة، - حتى الذين اختلفوا معه وأنا منهم حين اعتذرت عن الكتابة في جريدة الرياض قبل سنوات - لا يملكون إلا احترامه ولذلك أبقيت العلاقة بين الأستاذ الموجه والتلميذة المحتاجة إلى التوجيه.
الذين يعرفون تركي السديري لا يستطيعون إلا أن يتحدثوا عن نبله، لأنه كان بالفعل نبيلاً على المستوى الإنساني والمهني.
والنبل خصلة لا يمنحها الله إلا لبعض خلقه الذين أوكل إليهم برسالة يؤدونها في حياتهم .
تركي السديري امتد عطاؤه لأربعة عقود في الصحافة ومع الصحافيين، والصحافة ليست مهنة سهلة وطريقها مليء بالأشواك.
لكنه استطاع أن يكون مدرسة خاصة ليس لأنه عمل رئيساً لتحرير جريدة ورقية وقتاً طويلاً، إنما لأنه بالفعل كان يعشق الصحافة ولذلك عاش عمره مسانداً لأبنائها داعماً لتطورها .
رحم الله الأستاذ محمد أبا حسين الذي قال لي يوم أمضيت عاماً كاملاً بلا عمل مستقر في الصحافة «اكتبي في جريدة الرياض لا تشترطي شيئاً ولا تتحدثي عن المكافأة وسوف يقدّر عملك أبو عبدالله لأنه يشجع الأفكار الجديدة»
ووقتها تحدث عني لأبي عبدالله الزميل د. حمد الفحيلة حين اتصل به وأخبره أني أود الكتابة في الرياض، وبالفعل كان تركي السديري كريماً معي في قبول طلبي أن أكتب مقالاً في نصف صفحة ولكن مع الصور وترك لي حرية إخراجه وقتها كنت مع المخرج في نقاش، حيث يحار في إخراج مادة ليست مقالاً ولا هي تحقيق صحفي بينما كان الأستاذ تركي عوضاً عن استغراب الزملاء يوجهني بالاستمرار .
أورد هذا المثال - وغيره كثير في ذاكرة الصحافيين- لأشير إلى أن الراحل كان داعماً للصحافيين منفتحاً تجاه الأفكار الجديدة لا يخاف التغيير أو الحداثة في المهنة، وهذا لا يتوفر في عدد محدود من رؤساء التحرير.
رحم الله ملك الصحافة وعميدها وكل العزاء لابنه عبدالله وإخوانه وللغالية د. هند وشقيقتها ولزوجته ومحبيه في كل مكان.
رحل عرّاب الصحافة عن عالمنا وستبقى ذكراه عطرة في وجدان من عرفه وتعامل معه وحتى أولئك الذين تعاملوا وسيتعاملون معه كرمز مؤثّر في تاريخ الصحافة سيذكرون دوره ومنافحته عن المهنة وأبنائها.