د. محمد بن يحيى الفال
في يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر شعبان الجاري الموافق للواحد والعشرين من شهر مايو تتوجه أنظار العالم للرياض عاصمة العروبة لمشاهدة حدث استثنائي وتاريخي بكل المعايير حيث يحل فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعماء العالم العربي والإسلامي ضيوفاً على ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. ما يجعل الحدث استثنائيا وتاريخيا هي أنها الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي منذ توليه السلطة في بلاده منذ ما يقارب الأربعة اشهر وهي كذلك المناسبة الأولى الذي يلتقي فيها رئيس أمريكي مع زعماء العالم العربي والإسلامي في تجمع واحد. ولعل المرء لا يجانب الصواب بالقول بأن قائمة أجندة المواضيع التي يمكن التطرق إليها بين زعماء العالم العربي والإسلامي من جهة والرئيس الأمريكي من جهة أخرى قائمة طويلة وأحاديث ذات شجون لما تمثله العلاقة مع الولايات المتحدة من أهمية لكل دول العالم، بيد ان موضوع الساعة الذي من المتوقع أن ينال نصيباً وافراً من أجندات مؤتمر الرياض المقبل سيكون وبلا شك هو ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف وهو الذي أضحى أمرا لا تكاد دولة من دول العالم إلا وعانت وتضررت من تبعاته سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. ولعله من نافلة القول التي تثُبت بالأعمال لا بالأقوال فالمملكة العربية السعودية تعتبر الدولة الرائدة على المستوى الدولي في مكافحة الإرهاب والتحذير من مخاطرة وتابعاته على الأمن والسلم الدوليين. ولم تأت تحذيرات المملكة من خطورة الإرهاب على سلامة المجتمعات من فراغ بل من تجربة ومعاناة مع هذه الآفة الخطيرة المدمرة، فلقد تعرضت منذ أكثر من عقدين لأكثر من 300 عمل إرهابي نتج عنها سفك دماء أكثر من 500 ضحية بريئة واستشهاد العديد من رجال الأمن وهم يجابهون قوى الشر والظلام. وعليه كانت المملكة أول دول العالم التي دعت لمؤتمر عالمي لمواجهة الإرهاب وأخطاره ورعت المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في فبراير 2005 والذي شاركت فيه خمسين دولة واستمر لمدة أربعة أيام ورأسه المغفور له بإذن الله الأمير نايف بن عبدالعزيز والذي ستبقى ذكراه خالدة في ضمائرنا لما قدمه من خدمات لا تنسي لحفظ أمن واستقرار بلادنا والذي دشن أخاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يوم الاثنين 19 شعبان 1438هـ الموافق 15 مايو 2017 معرض وفعاليات» نايف القيم» بجامعة الملك عبدالعزيز والي بدأ واضحاً تأثر خادم الحرمين الشريفين وهو يسترجع ذكرى أخاه وما قدمه من جهود جليلة لن تنسى. وصدر عن المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب «إعلان الرياض» والذي جاء فيه بأن أي جهد دولي سيكون قاصراً عن التصدي الفعال لظاهرة الإرهاب إذا افتقد العمل الجماعي والمنظور الإستراتيجي في التعامل معها، وشدد إعلان الرياض على إن الإرهاب ليس له دين معين أو جنس أو جنسية معينة أو منطقة جغرافية محددة وأن مثل هذا الربط سيصب في مساعدة أيدلوجيات الإرهابيين. وعقب انتهاء المؤتمر وكما هو موثوق على الموقع إلكتروني لمنظمة الأمم المتحدة وعطفاً على دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله بضرورة إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إستراتيجية لمواجهة الإرهاب وأنشئت الوحدة التنفيذية لمكافحة الإرهاب.
Counter-Terrorism Implementation Task Force( CTITF)»»، وفي سبتمبر 2011 تم إنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب»United Nations Counter Terrorism Center( UNCCT)، وتم العمل بالمركز فعلياً بدأ من شهر إبريل 2012 وقدمت المملكة للمركز دعماً سخياً بمبلغ 100 مليون دولار وذلك في شهر أغسطس 2014، إيماناً منها بأهمية الدور الذي يقوم به المركز في مواجهة سرطان العصر المتمثل بظاهرة الإرهاب. ولقد فطنت قيادة المملكة كذلك لأهمية مواجهة الإرهاب بالفكر وكانت من أوائل الدول التي نحت هذا المنحي وكانت ثمرته إطلاق مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية والذي يتولى مهمة معالجة الفكر المتطرف لدي من غرر به من قبل الجماعات الإرهابية والتكفيرية وكذلك يتولى المركز مهام إنسانية نبيلة تتعلق برعاية أسر الموقفين انطلاقا من التوجيه القرآني الكريم بأنه لا تزرُ وازرة وزر أخرى. ولقد لاقت التجربة السعودية في المناصحة إعجاب الكثير من دول العالم في شرقه وغربه وأبدت العديد من الدول الرغبة في الاستفادة من تجربة المملكة في هذا لمجال.
إن تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب هي تجربة ثرية ومميزة وقل نطيرها ويمكن لدول العالم الاستفادة منها بكونها الدولة التي أخذت على عاتقها مسؤولية تحذير العالم مخاطر هذه الآفة وأهمية التعاون الدولي لاجتثاثها من جذورها وكانت السباقة في تنبيه العالم لذلك، ولعل تجربة التعاون في هذا الخصوص بين المملكة وأمريكا من التجارب الناجحة والتي أدت إلى توجيه ضربات استباقية لمواجهة الإرهاب والتي يمكن البناء عليها لتنسيق دولي في مجال مكافحة الإرهاب. وكان من نتائج هذا التعاون المثمر بين البلدين في مكافحة الإرهاب حصول سمو ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف على ميدالية جورج تينت للعمل المميز في مكافحة الإرهاب ولتعزيز الأمن والسلم الدوليين والتي سلمها لسموه قبل أشهر مدير الاستخبارات الأمريكية مايكل بومبيو. ولكن هذه التجربة ومع المتغيرات والمستجدات في عمل الإرهابيين تحتاج لمزيد من التعاون والتنسيق بين البلدين وذلك على مستويين أساسيين وهما مواجهة إرهاب الدول والتعاون الدولي الاستخباراتي في مواجهة الإرهاب. وفيما يتعلق بإرهاب الدول فلا بد من تعاون وثيق بين البلدين لدرء هذا الخطر المستفحل المهدد للسلم والأمن الدوليين والذي نرى مثاله الجلي في دور حكومة الملالي في دعم الإرهاب ومنظماته ومليشياته فالعديد من التقارير الاستخباراتية بما فيها تقرير لجنة إحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية وثقت وبما لا يدعو للشك التعاون الوثيق بين حكومة طهران وبين المنظمات والمليشيات الإرهابية المتطرفة، وهذا التعاون منه ما يتم تحت غطاء السرية والمتمثل بدعمها غير المحدود لتنظيمي القاعدة وداعش أو دعمها العلني لمليشيات الحوثي الانقلابية في اليمن التي قوضت أمن اليمن وجعلت شعبه يعيش في دوامة من العنف والفقر وآن الأوان بتعاون دولي وبدعم أمريكي فاعل لإنهاء هذه المعانة من قبل الانقلابين، ودعمها المليشيات المتطرفة في العراق كالحشد الشعبي ومليشيات عصائب أهل الحق، فيلق بدر، جيش المهدي، جيش المختار ولواء أبو الفضل العباس. وكذلك مليشيا حزب الله في لبنان والتي تشارك كما هو حال جُل الميليشيات العراقية المتطرفة في مساندة طاغية دمشق في تنفيذ جرائمه الإرهابية الفظيعة ضد الشعب السوري. وحتى تنجح جهود مكافحة الإرهاب فلا بد من تنسيق استخباراتي دولي لمكافحة ظاهرة الإرهاب، وهو الأمر الذي فطنت له المملكة ونادت به قبل اثني عشر سنة مخلال المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب عام 2005 وجاء في بيانه الختامي حتمية التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب وهذا ما أثبتته الأيام فقد مرت الولايات المتحدة نفسها بتجربة أهمية التعاون بين أجهزتها الأمنية لمواجهة الأخطار الإرهابية، وفحوى هذه التجربة أنه وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي تعرضت لها أمريكا تم إنشاء وزارة الأمن الوطني»Department of Homeland Security»، وهي الوزارة التي أنيط بها كل ما يتعلق بالأمن الداخلي للأمة الأمريكية، ولكن وبسبب أحداث إرهابية على مستوى ضيق وقعت داخل أمريكا، أتضح بأنه كان من الممكن تفاديها لو كان هناك تنسيق بين كافة الأجهزة الأمريكية ذات العلاقة بالإرهاب، وعليه فلقد صدرت التعليمات بأن يتم تبادل كل المعلومات الإستخباراتية بين كافة الأجهزة الأمنية الأمريكية وتمريرها لوزارة الأمن الوطني. تجارب الدول فيما يخص مكافحة الإرهاب أثبتت بلا نقاش بأنه عابر للحدود وبأنه ليست هناك دولة بمنأى عنه، وبأن على العالم عدم التردد في مواجهته سواء على مستوى التنظيمات الإرهابية أو على مستوى الدول الداعمة له.