رقية سليمان الهويريني
لم يجمعني بالراحل الأستاذ تركي السديري لقاءات سوى لقاء يتيم في هيئة الصحفيين أثناء مشاركتي في ندوة عن الإعلام وقيم المواطنة، ولكن ما قرأته عنه أثناء عمله رئيس تحرير الزميلة جريدة الرياض يجعلني أُكبر الرجل لدماثة خلقه وسماحة نفسه وإنسانيته اللا محدودة.
وبحسب ما سمعت عنه من زملائه في جريدة الرياض أن الراحل تركي السديري - رحمه الله- لم يكن يمارس معهم دور رئيس التحرير الذي يتطلّب منه المنصب الصرامة والدقة المطلوبة، بل كان إدارياً بذكاء اجتماعي وحس إنساني، وكان نبيلاً حتى في خصوماته التي لا تتعدى حدود العمل، وما إن تنقشع غمامة الاختلاف إلا ويعود نهراً جارياً من العطاء.
وقد شهدت على بعض مواقفه الإنسانية مع ثلة من الصحفيين الذين حُوربوا في أعمالهم، وضيِّق عليهم في أرزاقهم بسبب أفكارهم النيِّرة وكتاباتهم الشجاعة التي لا تتناسب مع مرحلة شديدة الظلمة، فكان شهماً معهم مسانداً لهم، هذا عدا مواقفه النبيلة مع من يطلب مساعدته الشخصية ووجاهته الرسمية.
وكانت زاويته الصحفية (لقاء) تشهد على كاتب مطلع وشغوف بالمعرفة ذي حس كتابي رفيع المستوى، ولم يكن اسمه يتصدر الكتّاب بصفته رئيساً للتحرير، بل تأتي زاويته بوسط المقالات! والحق أنني لا أفوِّت قراءة هذه الزاوية حتى أثناء ضيق الوقت الذي يمر بي، وما زلت احتفظ بقصاصة لأحد مقالاته منذ عشرين عاماً بعنوان (الطبقة الوسطى).
ساهم الراحل تركي السديري بنشر المعرفة من خلال جمع مقالات بعض كتّاب جريدة الرياض وطباعتها في كتاب على نفقة الجريدة يحمل كل كتاب اسم زاوية الكاتب، وهو موقف وفاء من رجل شهم وكريم.
أما مواقفه مع المرأة في جريدة الرياض فهي مواقف شجاعة تحمل الثقة والعدالة والتشجيع، فهي تحصل على حقوقها كاملةً مثل زميلها الرجل، حيث تم تعيين مديرة للتحرير تشرف وتتابع إنتاج الصحفيات والمحررات والمصورات.
وحين نودع سيد الصحافة وشيخها؛ فإن ما يخفّف علينا المصاب هو تركه إرثاً صحفياً كان فيه وطنيَّ الانتماء، شجاعاً ومقداماً غير متردد، وكان بحق يمثِّل الرمز الوطني الكبير في الصحافة الورقية، ولم يدنس مكانته بمواقف مضطربة أو مهزوزة.
رحم الله الفقيد، والعزاء لأسرته ومحبيه وللصحافة السعودية والعربية وإدارة جريدة الرياض وكتّابها ومحرريها.