خالد بن حمد المالك
هذا الاهتمام (المقدَّر) بما كُتب ولا يزال يُكتب عن مسيرة الزميل الأستاذ تركي السديري في خدمة الصحافة منذ وفاته -رحمه الله- وإلى الآن ألا يجعلنا نتساءل بألم: لماذا لم نعبّر عن مثل هذا الشعور في حياته وليس بعد وفاته، وامتداداً لذلك، لمَ لا يكون تكريمنا للنابهين والفاعلين والمخلصين إلا بعد رحيلهم، وكأن ثقافتنا لا تعترف بقيمة الأحياء، أو لا تتذكّرهم إلا بعد أن يكونوا قد فارقوا الحياة.
* *
مات تركي قبل أن نسمي شارعاً باسمه وهو حي يُرزق، بينما كان سيشعر لو تحقق ذلك في حياته باعتراف إخوانه المواطنين بما كان عليه من جدية وإخلاص في خدمة الوطن وهو في كامل نشاطه وحيويته وتوهجه في الذبِّ عن الوطن، والاهتمام بما يعزِّز مكانة المواطن في بلده، كنموذج لثقافة مغايرة ومطلوبة، غير الثقافة السائدة الآن.
* *
آخرون كثر غير تركي السديري رحلوا، في قطاعات مختلفة، وكانوا رموزاً مشعة، وقامات كبيرة، أعمالهم حديث الناس، وإنجازاتهم على كل لسان، لكنهم غادروا الدنيا، ولم نتذكّر شيئاً عن تميزهم إلا بعد أن قيل لنا إنهم رحلوا ، سائرين بذلك على خطى سابقيهم ممن نسيناهم في حياتهم، دون كلمة امتنان، أو تقدير وعرفان، ومن غير أي فعل أو عمل يخلّد ما عملوه في ذواكر الناس، وكأننا كما قال محمد حسين زيدان -رحمه الله- مجتمع دفّان.
* *
أمَا كان أولى بنا أن يكون هذا الكلام الجميل الذي كُتب عن تركي السديري كُتب في حياته، وقرأه -رحمه الله- بنفسه وتأكد من أن هذه الانطباعات الجميلة هي نتاج أربعين عاماً من العطاء والعمل المخلص المتواصل الذي صاحبه الكثير من التحديات والمنغصات والتضحيات، دون أن يستسلم، أو يتخلّى عن دور وطني رهن له حياته من أجل أن يكرِّس الأهداف التي رسمها لصحيفة الرياض، بل ولوطنه.
* *
وإذا تجاوزنا ما قيل من كلام (مستحق) عن تركي السديري، وإن جاء متأخراً من زملاء ومحبين، فماذا نقول عن التكريم الرسمي على مستوى الوطن الذي لم يصل إلى شخصية إعلامية كبيرة في حياته وربما بعد وفاته كتركي السديري، وأعني بذلك لماذا لم يُسم شارع باسم تركي السديري مثلاً، وهو في كامل نشاطه، بدلاً من أن يأتي مثل هذا التكريم بعد وفاته.
* *
ألم يكن الأجدر والأفضل والأكثر أثراً أن يكون تكريمه وغيره من المواطنين الذين خدموا الوطن بامتياز في حياتهم، وما دام أن ذلك لم يتحقق، فلا بأس، ومن باب التمنيات، أتمنى أن يكون الاتجاه من الآن في تكريم الرموز الوطنية في حياة كل منهم مهما كثروا، وفي أي موقع أبدعوا وأخلصوا فيه، وألا يُؤخّر ذلك إلى ما بعد الوفاة، وأن تكون هناك قواعد يُعتمد عليها في مثل هذا التكريم.
* *
آمل من سمو أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر أن يسارع بإصدار التوجيه بتسمية شارع باسم الزميل تركي السديري، وآمل من وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله أن يدرج اسم الزميل تركي السديري في عداد المكرَّمين في الجنادرية القادمة كإعلامي يستحق ذلك بعد أن تم أولاً تكريم الإعلامي الكبير الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في الجنادرية السابقة، وأصبح بذلك رموز الإعلام ضمن التخصصات التي تكرّم بالجنادرية سنوياً، فهذا أقل ما يمكن أن يقدّم للفقيد، وأن نعيد من الآن النظر في هذه الثقافة التي لا تكرّم إلا الأموات.