«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما صعدت لسيارة ابني لاحظ أني متعب وواهن، فسألني إلى هذه الدرجة تأثرت بخبر وفاة «ملك الصحافة». فأجبته نعم تأثرت ومن منا، خصوصاً الذين تشرفوا بالعمل معه، لم يتأثر برحيله المحزن، وربما عارض صحي خفي سكن في جسدي.. كل شيء جائز!.. رحت أقرأ المعوذات وقصار السور، حتى وصلنا لبيت العزاء .. وهو يكرر رغبته أن يصحبني إلى أحد المستشفيات الخاصة قبل العزاء لكنني رفضت بشده وكررت عليه ربما يعود السبب إلى عودة (الديسك) من جديد والذي يحتل ظهري منذ عقود.. والدسك لا يوثق فيه فهو قد يعود من جديد وبدون استئذان... وتمالكت نفسي وأنا أدعو الله مخلصاً أن يحفظني خلالها وأن لا أنهار أو أسقط أرضا وكنت واثقاً بالله ثم كون ابني بجواري. ومنذ لحظة دخولي لبوابة البيت إذا بالأستاذ «مازن» ابن الراحل الكبير يقبل مرحباً ومبتسماً وهو يحتضنني رغم ما في أعماقه من حزن مكين .. وراح يعرفني بالبعض من أشقائه الكرام. كان البيت غاصاً بالمعزِّين من أصحاب السمو والمعالي ورجال الإعلام والصحافة. وشاهدت زملاء مضت عقود لم التق بهم خلالها إلا من خلال ما نكتبه ونسود به الصفحات في هذه الجريدة أو تلك. وربما لاحظ بعضهم أنني أتمايل في سيري كطفل أول مرة يتعلم المشي؟! لكنني كنت سعيداً بحجم حزني أنني حضرت وأديت واجب العزاء.. في إنسان كان عملة نادرة في عالم الصحافة والإعلام، ولقد أبدع أستاذنا الكبير «خالد المالك» رفيق دربه في عالم الصحافة بالكتابة وبشفافية عن جوانب كانت خفية في حياة أبي عبد الله. هذا النموذج والقدوة والمدرسة، لقد سبر غور جوانب لا يعرفها الكثيرون منا عنه ممن تتلمذوا عليه أو عملوا بالقرب منه.
وكل من قرأ ما كُتب خلال الأيام الماضية عن (تركي السديري) لا يفيه حقه. كونه «النموذج» والمفكر. كان يعزف من خلال حروفه في زاويته «لقاء» اليومية أو لقاء الأسبوعية بصوت مقروء. وأحياناً يعلو بدون وجل ويضع اصبعه على الجرح النازف؟! وكان لي شرف أن جلست أرسم ما طلبه مني لإحدى زواياه الأسبوعية كان ذلك عام 1399هـ عندما زرته في مكتبه في المبنى القديم.. كان كاتباً بمذاق خاص مذاق مشبع بالرومانسية. ومازلت أذكر اتصاله بي عندما نشرت من أرشيفي في صحيفتي «المواطن اليوم « حواره الممتع مع محمد علي كلاي عندما زار المملكة ونشر في مجلة اليمامة، وقال لي بصوته المميز والمشبع بالابتسام: (يا أحمد) ما رأيك تبيعنا أرشيفك؟ ومرة وكنت في مكتبه وكانت كميات رهيبة من الكتب المهداة لسعادته تكاد تخفي رأسه، فسألته متى نرى كتاباتك ومقالاتك داخل كتاب. فقال باسماً: هل كتاباتي تستحق ذلك. فدهشت من تواضعه. وراح يشعل (غليونه المميز) وكان أيامها يمارس تدخينه.. كان عاشقاً رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه للخبر المثير والتغطية الممتازة والتحقيقات والتقارير المشبعة بالمعلومات .. وماذا بعد أستاذنا الراحل أصبحت تجربته في عالم الصحافة والإعلام معزوفة وطنية كبيرة، يتغنى بها الجميع من كتّاب ورجال إعلام وثقافة وأدب، وعلى الأخص الذين شاركوه المسيرة في دروب الصحافة ودهاليزها المتعبة والمرهقة. رحمه الله رحمة واسعة و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.