مها محمد الشريف
واقع العالم اليوم يعكس أن ثمة حرباً إلكترونية تدور رحاها في الساحة الدولية الكبرى وأصبحت حاضرة بمشكلاتها وأبعادها السياسية وربما تكون أشد شراسة من الحروب العسكرية.. الباحثون وعلماء التقنية هم الجند الذين يخوضون هذه المعركة والتي تنذر بعواصف واختراقات مضرة وخطيرة، يسعى هؤلاء الباحثون على امتداد جبهات مكافحة الفيروسات الإلكترونية.
إن التاريخ لن يسقط هذه الأحداث سهواً ولن يدعها مهملة في أروقة السياسة المظلمة شأنها شأن مصير كثير من القتلى النازحين من الحرب والمهاجرين عبر البحر، أحداث قد تعيد إنتاج تاريخها من جديد، وهذا يعني ما تعرضت له مؤخراً مؤسسات ومستشفيات في أكثر من 100 دولة لهجمات إلكترونية، مطالبين بفدية تتضاعف كلما تأخر دفعها.
ولله الحمد أكَّدت المملكة سلامة خوادم شبكاتها من أي ضرر وأن الهجوم الإلكتروني الأخير لم يصل إليها وتحصنت بمزيد من الحيطة والحذر وسد الثغرات بخطة محكمة ولم تتأثر بهذا الغزو لوجود خبراء أمن معلومات أكفاء اتخذوا إجراءات احترازية، وتحديث للبرامج الإلكترونية ومكافحة الفيروسات كفيل بتجنبها وإبعاد ضررها عن الأجهزة.
وثمة سؤال تردد صداه كثيراً، هل هي ثقافة العصر التي تقتحم الحدود وتدخل من بوابه الخصوصية لتحطيم التوازن التقني وسلبه الاستقلال الشخصي؟ وتنجح في تعميم البرامج رغم سريتها ما يعكس ذلك سلباً على أمن المعلومات، أم أن علينا مواجهة ضوء الحقيقة والمطالبة ببوليصة تأمين لحياتنا الإلكترونية ومعلوماتنا السرية، من باب المحافظة على وجود قواعد صلبة تحميها من استهدافها بعمليات تجسس إلكترونية، فإن الجميع يرفض ما تعرضت له دول العالم.. وتعقيباً على المتحدثة باسم نيسان أكدت لفرانس برس أن مصنع صندرلاند البريطاني للمجموعة من ضمن المستهدفين مع خدمة الصحة العامة. وابتداع حيل متنوّعة، في قرصنة غير مسبوقة على المستوى الدولي.
إن هذه المسألة علاوة على أنها غير قابلة للتحكم ومعرفة أجندتها والجهات التي تنتمي إليها. إلا أنها مرحلة أخرى من سيناريوهات الحرب الغامضة لها نفس قيمة الخسائر المادية، ولا مزيد من الاختيارات إذا فقدت المؤسسات الحكومية أمنها وسرية محاورها في آلية سياساتها إلا بفك رموزهذه المغامرة. المغامرة التي جذبت الفوضى وطالت عدة أماكن منها نظام المصرف المركزي الروسي في يومها الثاني السبت، وعدداً من الوزارات استهدفت بهجوم إلكتروني مكثّف، بينما حاول قراصنة اختراق المنشآت المعلوماتية لشبكة السكك الحديد. كما شملت الهجمات العملاق الأمريكي للبريد السريع (فيديكس) وشركة الاتصالات الإسبانية (تيليفونيكا).
إن هذا القرن أكثر اضطراباً وأكثر كوارث منذ ارتبط مصير الإنسان بالآلة، واعتلت التقنيات مصاف الأولويات والمزايا، واليوم تخبرنا الأحداث أن العالم رهن لهذا التقدّم والأنظمة الإلكترونية المتطورة رغم التفاوتات والانشقاقات المعمول بها في صناعة الأسلحة وقتل الأبرياء في الحروب الخاسرة وقراصنة الثقافات وتجار الإنترنت وكل ذلك من جراء عولمة صاخبة مقبلة على صراع من نوع جديد.
في الحقيقة هي معارك مدمرة ومحبطة للعزائم، بعد أن وقع العالم في قبضة حديدية يصعب التحرر منها، وها هو يعاني من الازدواجية المحيّرة ونشاطها المفرط في النسق المعيشي، والانتشار الكاسح للأجهزة الذكية ولم يعد الوقت كافياً من تأثير السرعة في جميع المجالات، مع أن كثيراً يؤمن بحيوية السرعة وتأثيرها في الصناعات والتقنيات، وفي المقابل يحن البشر للعودة إلى الخطوات البطيئة والثابتة كما كتب عنها التشيكي «ميلان كونديرا» في رواية البط يوحي بأن فجر القرن الحالي، سيكون سعيداً لو عاد إلى استقرار الماضي، ولكن الجميع يتوجس خوفاً من ذلك الجمود، ويخشى أيضاً بناء جديد يتناقض مع القوة الكامنة. فالأرض بعد أن أسلمت الروح للخوف... بقيت الإنسانية تتعايش مع التهديد.