عماد المديفر
هذا هو الوصف الموجز والدقيق والواضح للحالة التي تمر بها قوى الشر والإرهاب في المنطقة والعالم عندما أعلن فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن «زيارة الدولة» الخارجية الأولى له كرئيس لأقوى قوة في العالم ستكون إلى العاصمة السعودية قلب العالم العربي والإسلامي (الرياض)، ثم القدس، فروما. إعلان تاريخي عظيم، وزيارة لم يسبق لها مثيل طيلة تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تثمنه المملكة عاليًا قيادة وشعبًا، كما تثمنه دول مجلس التعاون الخليجي والعالمين العربي والإسلامي شعوبًا وحكومات؛ لما يحمله ذلك من دلالات عظيمة في مجال تعزيز التعاون والتكامل والعمل المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالمين العربي والإسلامي دحرًا لقوى الشر والإرهاب، التي ما فتئت تسعى لزرع الكراهية والفتنة وإفساد العلاقات الأمريكية مع العالمين العربي والإسلامي؛ لتنجح في مخططاتها الإرهابية التخريبية في العالم. إنها صفعة وتدمير حقيقي لأهداف تلك القوى المجرمة التي وقفت خلف الأحداث الإرهابية المأساوية في الحادي عشر من سبتمبر لزرع الفتنة، ونشر الإرهاب والكراهية في العالم أجمع لتحقيق أهدافها الرجعية الراديكالية المتطرفة التي كشفت التحقيقات الأمريكية من يقف خلفها: القاعدة وحزب الله وإيران.
هم يعلمون تمامًا أن «زيارة الدولة» هذه وما سيتخللها من قمم ثنائية ومتعددة للدولتين الكبيرتين مع قادة دول مجلس التعاون والعالمين العربي والإسلامي في العاصمة الرياض (مقر قيادة عمليات التحالف الإسلامي ضد الإرهاب) تستهدف بالدرجة الأولى حرب الإرهاب والتطرف والكراهية، وتعمل على إنجاز التعاون واتحاد الحضارات والأديان لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب العالم بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط الملتهبة على وجه الخصوص، ولاسيما أنها ستتبعها زيارة فخامة الرئيس الأمريكي للقدس فروما وبكل ما يحمله ذلك من دلالات عميقة.. ورغبة حقيقية في إنجاز عملي. فعند تحقيق ونشر الأمن والاستقرار والسلام يمهد الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة في العالم أجمع.
إنها إيذان بفشل وانتهاء صلاحية نظرية «صدام الحضارات» لصاحبها صمويل هتنقتون ومشروع الفوضى الخلاقة كما أسمتها كونداليزا رايس، وتبنتها في وقت سابق إدارة الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما التي كان عليها الوزر الأكبر في وصول العالم لما وصل إليه اليوم من انتشار للفوضى والإرهاب حتى أطلقت على تلك الفوضى اسم «الربيع» في دعاية تضليلية فجة، وأطلقت يد نظام عمائم الشر في طهران لتعيث فسادًا رغم علمها أن هذا النظام الراديكالي هو الداعم الأول للإرهاب ومن يقف خلفه، ويوظفه لتحقيق أجندته وأهدافه السياسية الخارجية بحسب تقارير صادرة عن الحكومة الأمريكية نفسها، ومبنية على سلسلة معلومات وحقائق تكشف الصلة المباشرة والمتجذرة له مع مختلف التنظيمات والجماعات الإرهابية الإسلاموية، سواء ادعت أنها سنية كالقاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها، أو شيعية كحزب الله ومنظمة بدر وفيلق القدس والحوثيين وفاطميين وغيرهم.. إنها معلومات وأدلة موثقة وليست مجرد انطباعات أو تحليلات.
وضمن هذا السياق فقد كانت المملكة العربية السعودية، ولما تحمله من ثقل ومسؤولية دينية وثقافية وفكرية وقيمية وأخلاقية، هي فعليًّا دون مبالغة الدولة الأولى في العالم التي رفضت نظرية صامويل هتنقتون وما تبنته إدارة أوباما.. ففي الوقت الذي أعلنت فيه نظرية «صدام الحضارات» - وهي بالمناسبة تتماهى مع نظرية المهدي المنتظر التي يعتقد بها ويعمل بموجبها نظام الولي الفقيه الرجعي الظلامي في طهران التي أشار لها سمو سيدي ولي ولي العهد في لقائه الأخير مع الأستاذ داوود الشريان - دعا المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعينه الحكيمة والعليمة - عليه رحمة الله - لحوار والتقاء الحضارات.. ومكافحة الإرهاب الذي يستهدف الإسلام والمسلمين قبل أي شيء آخر. فأسست المملكة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، وقادت المملكة التوجه لتأسيس مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وكانت الداعم الأساس له. وكانت المملكة بما تمتلكه من أجهزة أمنية متميزة أول من حذر من خطر تنظيم القاعدة، وسعت للقبض على زعيمه الإرهابي الإخواني أسامة بن لادن في النصف الأول تسعينيات القرن الماضي وإحالته للعدالة في الوقت الذي قللت فيه من خطورته وخطورة تنظيمه أجهزة الاستخبارات الأمريكية حينها، حتى وقعت كارثة الهجمات الإرهابية على السفارتين الأمريكيتين في كل من نيروبي ودار السلام نهاية التسعينيات الميلادية، نفذتها القاعدة بتخطيط ودعم لوجستي من الحرس الثوري الإيراني كما كشفت ذلك نتائج التحقيقات والتحريات الأمنية الأمريكية. وعندها فقط أيقنت الأجهزة الأمريكية مدى الخطر الحقيقي الذي تشكله القاعدة وزعيمها الإرهابي ابن لادن، فأدرجته حينئذ على لائحة المطلوبين.
واليوم تؤسس المملكة تحالفًا إسلاميًّا عسكريًّا لحرب الإرهاب مكونًا من 42 دولة، وهي عضو مؤسس وفاعل في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب.
فخامة الرئيس الأمريكي حدد وفق المعطيات والمعلومات الموثقة أمامه وبعينه الخبيرة أن الخطر الحقيقي على المنطقة والعالم يتمثل بالإرهاب وداعميه ومستخدميه، وتوظيفهم بخبث ومكر للدين الذي هو من فعلهم براء لنشر التطرف والكراهية.. وعلى رأسهم نظام الولي الفقيه في طهران وشقيقه السني التوأم المتمثل بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ومشتقاته كالقاعدة وداعش؛ لذا فقد عزم فعلاً على اقتلاع الإرهاب من جذوره؛ فتوجه مباشرة للدولة الأولى والأخبر والأقدر في محاربة الإرهاب المتدثر برداء الدين.. المملكة العربية السعودية بكل ما تحمله من وزن ديني وعمق معرفي وقوة سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية.. ووضع يده بيدها وبيد العالمين العربي والإسلامي. إنها زيارة مفصلية، لها ما بعدها، أعادت لأمريكا شعبيتها وتقديرها ومحبتها لدى الشعوب العربية والإسلامية؛ كونها لم تتهم الإسلام كدين كما يريد أرباب الإرهاب وكما يتمنون.. بل وضعت يدها بيد قائدة الأمة العربية والإسلامية.. وعليه فلن تألو جهدًا قوى الشر والكراهية في توظيف أدواتها الإعلامية للصياح والعويل، ومحاولة التقليل من أهمية الزيارة والقمم الثلاث، أو الإساءة إليها والتشكيك فيها وفي المملكة ومركزها القيادي العربي والإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية ومركزها كقائدة عظمى للعالم المتحضر. إلى اللقاء.