د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لا تستطيع أن تقرأ الكتاب من غلافه الخارجي مثلما لا تقدر على فهم الإنسان من شكله العابر، وبالمثل فالظواهر المجتمعية لا تفسَّر بناتج واحد ولا تُقوَّم بحِراكِ الآن، ومن رأى البياض في الصورة لم يلحظ سوادها، والذي غشيه الموج لم ير السحاب، ومن عاش في القفر لم يتبين الفياض.
** استثمر الأكثرون الإعلام الرقمي متابعةً ومشاركةً فراق لهم جانبه المضيء وأيقنوا بقيمة فضاءاته المطلقة، غير أنّ آخرين اندسوا في زواياه المعتمة واستغلوا ساحاته المتقاطعة ، وكذا آمن بعضٌ بالدورات المجتمعية فقرأُوا في الصحوة فصولًا مورقةً وشيطنها غيرهم وأبدوا جفاءَها، وتحمس فئامٌ للوطنية المشتبهة بولاءات خارجية فدافعوا عن حقوقٍ مزدوجة وحرَّم فئام كل حقٍ عليهم.
** الأمثلة لا تقف عند ذوي العيون المطفأة فمعهم ذوو العواطف المرتبكة السائرون خلف التيار القطيعي حتى صارت قراءات الواقع مبتسرةً متبدلة تتأثر بالرياح ؛ أهبت شرقًا أم غربًا، وسواءٌ أجاءت بالغيمة أم ابتدرتها الصاعقة، ولن يسأموا من تغيير مواقعهم أو ارتداء مظلة هنا والاختباء هناك وفتح النوافذ يومًا وسدِّها يومًا بعده.
** ويجيء السؤال؛ من يقود التغيير المجتمعي؛ مفكروه أم دهماؤه ؟ وهل تماهت المسافة بين الطرفين فلم نَعُد نعرف الممتلئَ من الفارغ والحقيقي من المصطنع ؟ وهل أثمرت الحرية المتقدمة على الوعي في هذا الخلط والخبط والارتهان لمقاييس باهتة وأحكام عامة لا تلتزم حتى بالثبات النسبي ، وهل افتقد المجتمع حكماءَه الموثوقَ بهم القادرين على الارتقاء فوق الأدلجات والمصالح والتجاذبات؟
** ولعلنا لا ننسى أنّ المجتمع الذي اختلف حول البرقية والمكبرات الصوتية وتعليم المرأة والتلفزيون والتوقيت الزوالي والفضائيات، استطاع عبور منعطفاتها الحادة حينًا والجادة دومًا، بوجود عقول قادرة وقلوب مطمئنة رتَّقت ووفقت فارتقت وتوافقت ومرت العواصف عبر احتواءات الأذهان كما العواطف والنظر إلى المركب بعيني الحب والخوف وإلى راكبيه بمنطق التجدد والتعدد.
** نحن في زمنٍ لا نقرأ دروس التأريخ بل نعيشها دون سابق مماثلةٍ أو تكافؤٍ ومن غير الاحتكام إلى ترديد أو تقليد؛ فالجيل لا يعترف بالإملاءات كما الوقت لا يسترخي دون متغيرات، وما نحسبه اليوم بناءً قد يصير هباءً ، وما نظنه مستقرًا ربما انتهى ممرًا، والمنفعلون ضد دورة أو جماعة أو منهج أو معها لم يعُوا أنّ للصورة وجوهًا وللحكايات روايات.
** الصعود إلى القمر نزول عليه كما قال ميخائيل نعيمة؛ فالحركتان المتضادتان التقتا فكوَّنتا إنجازًا إنسانيًا باذخًا ، وكذا يتحاور التعسير والتيسير ليخلقا هدوءًا مجتمعيًا لا يركنُ لمنغلق ولا لمندلق فلا يغرقنا الموج ولا نبقى على اليبَس ، وفي أمتنا المحاطة بالصهاينة والفرس والروم التي تدافع عن وجودها قبل حدودها سيحملنا المؤدلجون إلى تلميع النوافذ في بيوتٍ متداعية.
** الظِّلال شموسٌ مرتحلة.