عبدالرحمن بن سائر العواد الشمري
إن من المدركات بأن السمات القيادية التي يتحرك من خلالها الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تترك آثارها على المجتمع السعودي قاطبة وعلى جميع جوانبه ومجالاته وفي الداخل والخارج ولذلك كانت رحلته الشرق آسيوية مؤشراً واضحاً على تلك الروح القيادية؛ تلك الروح الفاعلة والمتفاعلة بغية أن يكون هذا البلد المبارك في حراك تبادلي إيجابي وخلّاق مع بلدان العالم ممن لهم إسهامات عظيمة في عمارة الكون. هذا وإن التطورات في العالم الحديث التي أدّت إلى تحطيم فكرة المجتمعات المنغلقة بدأت خطاها الأولى من خلال التصنيع وهنا ثمة سؤالين أطرحهما على القارئ كي نتشارك في التمعن فيهما؛ الأول: ما هي دلالات أن يتجه القائد خادم الحرمين الشريفين إلى زيارة البلدان الشرق/ جنوب آسيوية في هذه الفترة التي يرزح العالم تحت أثقال كبيرة من التعقيدات والإشكالات والحروب وضبابية المواقف؟ والثاني: هل لحقائب مشروع التحول الوطني 2020 ورؤية 2030 علاقة ارتباط ما يستوجب مثل هذه الزيارات؟ ونحن متشاركين في التمعن أحب أن أشير أيضا إلى فكرة سبق وطرحها المفكر ماركس الذي يرى بأن الأنساق والنُّظم السياسية إنما هي انعكاس وتعبير مباشر عن البُنى الاقتصادية الكامنة وراءها. وأيا كان الأمر فإن القيادة -كما قلت في تقرير سابق حول سوسيولوجيا الحراك في عهد قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز بين مفهومي الارتداد والاسترداد- كفعل اجتماعي/ إداري يُلقي بالكثير من المسؤوليات والتبعات على ممارسيه -فضلا عن الأتباع- وإنها تبلغ أشدها عندما يكون الأمر مرتبطاً بقيادة الأوطان أيا كان هذا الوطن وموقعه الجغرافي في هذا الوجود الفسيح. ولكي نفهم صناعة اللحظة وإثمار المستقبل في قيادة خادم الحرمين فإن علينا أن نطرح بعض المسائل كما سيمر معنا في ثنايا هذه القراءة.
قراءة سوسيولوجية:
إن كل قراءة سوسيولوجية تتطلب منا لنحققها أن نمارس قدرًا عاليًا من الاستيقاظ الذي يتحقق من خلال تجاوز النظرة الروتينية/ البليدة للأحداث والأشياء والأشخاص سواءً أكانوا أفرادًا أم جماعات أو كانوا منظمات أم دول وذلك كي نرى؛ إن لم يكن كل الأبعاد التي تلف السياقات؛ فغالبها, وإلا لن تتحقق لك تلك القراءة ولذلك فإن العمل السوسيولوجي على حد تعبير المفكر الاجتماعي رايت مليز (MILLS) يعتمد على إعمال المُخيّلة السوسوسيولوجية وكلنا اليوم نقف شاهدين على القيادة الفاعلة/ المتفاعلة تحت قيادة القائد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -رعاه الله- التي تضعنا في سياقات اجتماعية/عالمية نتبادل فيها التفاعل الإيجابي وإعمار الكون بما يحقق رضا الرب سبحانه وتعالى وبما يحقق لنا الرضا الوجداني لأنفسنا. إننا نجد أنفسنا في مثل هذا الحراك/ الزيارات وما حصل متزامنًا معها أعني زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومقدار التأكيدات والبرامج التحالفية التي أبرمت بين كل تلك البلدان ليجد أن قياداتنا تشكل إيقاعات مُنتظمة لأساليب قيادة الوطن ومؤسساته؛ الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية والتربوية والعلمية وتدفع من خلالها إلى مزيد من التباني والتقدم والحالة الأمامية. إن كل زيارة إلى تلك البلدان إنما هي تشكل بناء جديدًا ومشرقًا, وإن كل اتفاقية وبرنامج وتأكيد على تحالف ما؛ إنما هي أيضا تصب في ذات الخيار أقصد خيار الأمام والتقدم للوطن الغالي وللمواطن الكريم. وإننا في هذا الإطار من القراءة السوسيولوجية نريد التركيز على الجوانب المتحركة أكثر من الجوانب الساكنة خلال فترة الحكم الثانية حيث سبق وقمت بقراءة سوسيولوجية عن الفترة الأولى (السنة الأولى لحكم الملك سلمان بن عبدالعزيز) وحديثي في هذه القراءة السوسيولوجية سيكون متجها نحو النظر والتأمل في الماكروسوسيولوجيا/ الظواهر العامة ومتجاوزًا الميكروسوسيولوجيا/ما يتعلق بحياة الفاعلين وإن كانت الأمور ذات ترابط بشكل أو بآخر. ولذلك يقول (يان سبورك): «إذا كان العصر هو اللحظة التي نتوقف فيها لنرى ما كان وما يمكن أن يكون» فهذه العلاقة بين العصر واللحظة هي ما تصنع الأفراد وهم كذلك يصنعونها تشاركا وسواء بسواء. هذا وإن عملية هذه القراءة السوسيولوجية تتلمس؛ تتبع خيطا رفيعا بحيث تعود مآلاته إلى التمسك بمفهومين أراهما حاضرين بشكلقوي جدا في أحداث السنة من الحكم وهما مفهوما الاستعداد والتكامل.
القراءة الأولى:
الحقول الاقتصادية في دول العالم أجمع تأخذ حيزًا كبيرًا من مساحة نشاطاتها واهتماماتها والاقتصادات تبقى هي من أقوى العوامل حسمًا في تشكيل مسارات الدول مع الدول؛ بل حتى الدولة الواحدة مع شعبها, ولذلك كان الأصل الرئيس في التغير الاجتماعي عند كارل ماركس (1818- 1883) ليس في أفكار الناس وقيمهم وإنما في المؤثرات الاقتصادية التي تدفع الناس إلى التطور تاريخيا؛ حيث إن تلك المؤثرات الاقتصادية يراها واحدة من محركات التاريخ وإن انخلاق برنامج التحول الوطني (2020) الذي يصنع شراكات عملاقة بين السعودية ودول العالم وكذلك انبثاق رؤية السعودية (2030) تلك الرؤية المليئة بالطموح بتوجهاتها الاقتصادية الواضحة وتفكيرها العقلاني وتوقعهاتها المستقبلية الرشيدة التي ستساهم في انتقال الاقتصاد إلى مرحلة ما بعد النفط ببرامج متنوعة تنموية اقتصادية/ اجتماعية إنها فعلا رؤية ذات أبعاد عميقة بترابط ووضوح ولنا أن نستبين ذلك من فكرة إنشاء أكبر صندوق اقتصادي استثماري سيادي في العالم ومتجاوزة في ذلك ما كانت عليه العهود السابقة من الاعتماد على النفط/ النفط وواضعة في اعتبارها تنويع مصادر الدخل في الحقل الاقتصادي الأمر الذي سينعكس على الحياة الاجتماعية تنظيما ودعما آخذة في الاعتبار في كل خطوة تخطوها الكفاءة المرتكزة على المعرفة التكنولوجية وهذا كله يربطنا بمفهوم ماكس فيبر (1864- 1920) الترشيد العقلاني. ولا شك أنه عندما تتضمن هذه الرؤية في ركائزها الثلاثية؛ الاقتصاد المزدهر والمجتمع الحيوي والوطن الطموح إنما هي تخلق فرص القوة للجانبين أعني الدولة مع بقية الدول والشعب مع بقية الشعوب وإنني على يقين بأن هذه الرؤية إنما هي تخلق مسارًا جديدا للوطن بكل مقوماته وعندما نعود إلى مفهومنا الذي انطلقنا منه وهو مفهوم الاستعداد سنجد أن توجهات القيادة لدينا برؤيتها العميقة إنما هي تعمل بهذا المفهوم -مفهوم الاستعداد- ولذلك تحركت واتجهت إلى حقول الدول الآسيوية المليئة بدعائم القوة في بناء اقتصاداتها؛ أوليست تُعرف بالاقتصادات الأكثر نموا في العالم؟ فالصين على سبيل المثال تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم واليابان هي الثالث ونحن نعلم بأن وطننا يمتاز بوفرة بدائل الطاقة المتجددة، وفيه ثروات معدنية متعددة كالذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها وبالتالي فإن تُقصد هذه الكيانات الاقتصادية العملاقة لهذه البلدان وذات التنوع الثري فإن ذلك يسام في تقوية مفهومي الاستعداد والتكامل في اقتصادنا الأمر الذي يكون من شأنه إكساب رؤية 2030 مزيدًا من الحيوية والفاعلية والتدفق والسريان. إنني وكما قلت لكم في بدايات هذه القراءة السوسيولوجية بأن مآلات الأمور اقتصاديا واجتماعيا تتمسك بمفهومي -الاستعداد والتكامل- ومن الملاحظ أن ذلك يتم في السنة الثانية من عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -رعاه الله-.
القراءة الثانية:
الجميع يدرك المكانة التي تحتلها الولايات المتحدة الأمريكية في خريطة التفاعلات بين دول العالم وبغض النظر عن سياساتها حول بعض القضايا تراخيًا أو تجاوزًا إلا أنه يمكن أن ننظر إلى التحرك الذي قام به ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والاجتماعات التي عقدت مع الرئيس ترامب محرك قوي يدفع إلى إعادة نشر الحيوية بين العلاقات الثنائية بين البلدين لا سيما بعد الإدارة السابقة ورئيسها والزيارة يمكن لنا أن نصنفها بأنها من النوع التشاركي البنّاء أكثر من أي نوع آخر هذا من جانب؛ ومن جانب آخر فإن هناك عمق يقرأ كرسالة خفية/ ظاهرة تحملها زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية حيث إنها تتزامن وفي نفس الوقت مع الجولة الآسيوية للملك سلمان بن عبدالعزيز ما يجعل دور المملكة دورًا مؤثرًا تشاركيًا فاعلاً؛ لا هامشيًا باردًا في قبة البيت الأبيض وأجنحته وهذا بالضبط ما أكده وزير الخارجية عادل الجبير عندما قال: إن الزيارة عكست التطابق -تمعن في كلمة دبلوماسي بحجم الجبير عندما يختار كلمة تطابق- تجاه القضايا التي تعيشها المنطقة. ويدرك الجميع بأن المنطقة مثقلة بالقضايا الثلاث اليمن وسوريا وإيران والجميع أيضا يدرك بأن القيادة لدينا تبذل قصارى جهدها في كل تلك المناطق/ القضايا ولعلّ هكذا زيارات وما تبعها من تحالفات تعمل على تنشيط العناصر الخاملة فينبعث النشاط ويعود الحراك بما يشكل قوة لنا في وطننا وبدايات استقرار في اليمن وسوريا وانكفأ لشر إيران المتقد ولو سارت الأمور بهذا المسار وهو المأمل-بإذن الله- فحينها تكون توجهات قيادتنا المباركة بقيادة خادم الحرمين الشريفين فعّلت مفهوم الاستعداد والتكامل ما يجعل الثمار والنتائج إيجابية/ إيجابية ليس على وطننا وحسب بل وعلى المنطقة العربية بأسرها وهو ما يعني أيضا تشكّل نتائج عكسية/ عكسية على إيران وثورييها. وإننا نراهن على الوعي السياسي للقيادة في المملكة العربية السعودية وبمتابعة دقيقة/ عميقة من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن نايف وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان التي هي عندنا أعلى بمراحل كثيرة مما يريده مهندسي المشاغبة في إيران وأذرعتها الممتدة في بلدان عالمنا العربي وكل ذلك كان بفعل تفعيل مفهومي الاستعداد والتكامل داخليا وخارجيا الذي ما زال له صداه في الشرق الأقصى والغرب. إن كل ما نراه من حراك وتوجهات سياسية في وطننا الغالي وما لاناه كل ذلك ذكاء يصب في صناعة اللحظة وإثمار المستقبل في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز. وأخيراً فإن غاية ما ترمي إليه هذه القراءة السوسيولجية هو محاولة بثّ استنارة على الدور القيادي الكبير الذي تمارسه القيادة في بلدنا المبارك في هذا الوقت بالتحديد الذي ما زالت فيه منطقتنا العربية تفور على صحائف من نار لا تكاد تنطفئ صبح مساء ومن جانب آخر كذلك هي محاولة تشكيل جزء للتمعن الذاتي نحو المجتمع ولنتذكر أن تطور المجتمعات إنما يتم من خلال مجموعة من المعايير الضابطة وأحيانا/أحيانا تكون ضاغطة والتي تؤخذ على أساس التدّرج بالفاعلين الاجتماعيين إلى حيث الاستقرار والتماسك والسعة والأمن والأمان. وهذا ما نتوقعه بأن هذا الحراك الفاعل في الداخل كتوجهات الإصلاح الاقتصادي وفي الخارج كمثل هذه الزيارات في أقاصي الشرق والغرب سيكون لها الأثر الفاعل نحو الاستعداد والتكامل على الداخل والخارج على حدٍّ سواء وفي كل أنحاء العالم حكومات ومؤسسات وأفرادا وإننا بهذا الاستعداد والتكامل نأمل أن نكون صانعين للحظة وفاعلين لإثمار المستقبل وممتلكين لاختياره ما بين آفاق مستقبلية كثيرة واحتمالات أكثر إنه مستقبل مفتوح ومن لا يملك اختياره الآن لن يكون موجودا هناك/ في المستقبل ولذلك لا توجد فكرة الحتمية في الحقل الاجتماعي وإنما هي أسباب تفعل ونتائج تُتحصل ولذلك نجد (يان سبورك) يقول: إن دينامية التطور منقوشة في الأشياء فهي تعبر عن نفسها بشكل طبيعي كالانتقال من حال المطر إلى حال الطقس الجميل أو من النهار إلى الليل ومن هنا فإن الفاعلين بصفهتم مواضيع لنظريات وتأملات العقل التحليلي يتبعون عددا معينا من عمليات الموضعة (قواعد, انتظامات, قوانين, مصالح, عادات... وكل ذلك يدفع البشر إلى العمل.