عبدالعزيز السماري
كان استخدام الدين في الصراع السياسي علامة فارقة في تاريخ المسلمين، فقد أدرك السياسيون والطامعون للحكم مبكراً أنّ استغلال الدين الخاطئ أقصر طرق الوصول إلى الغاية السياسية، ولهذا كان التاريخ العربي مسرحاً كبيراً للصراع المذهبي والعقدي والمبني على المصالح السياسية الخاصة.
كان شعار الخوارج الأوائل لا حكم إلا لله، وكان رد الإمام علي بن أبي طالب عليها أنها كلمة حق أريد بها باطل، والباطل هو استغلالها للخروج والتنازع المسلح حول الحكم، لذلك كان من أخطاء الحركات الإسلامية الجسام أنها استخدمت آلية التكفير للدخول في معترك السياسة، وكانت النتيجة فوضى ومزيداً من الدماء والقتل.
عند استخدام الدين في السياسة يدخل المتنافسون في المزايدة في الأحكام والتشدد، وتتبادل الاتهامات بالنفاق والُكفر، وهو ما يعني التشريع لحمل السلاح من أجل المزايدة في إعلاء كلمة الله، وهو ما يؤدي في نهاية الأمر إلى استبداد أحدهما بالآخر.
في الأيام الأخيرة تناقل المغردون مقطعاً لداعية مشهور عن رغبة النفس في سفك الدماء وسحق الجماجم و»تقطيع الأجزاء» في سبيل الله ودفاعاً عن دينه، هو شرف للمؤمن، والشاهد هنا ليست دعواه، لكنه استغرابهم ودهشتهم من دعوة الشيخ الدموية.
فمثل هذا الخطاب كان سائداً، ويلقى رواجاً بين المسلمين، وكان هناك ثمة اعتقاد أن المسلمين ينصرهم الله، وإن كانت أسلحتهم بدائية، وكان هناك العديد من الفتاوي الخاطئة لتفجير الأنفس وسحق الجماجم والتمثيل بأجساد الأعداء في سبيل الله..
ربما حان الوقت للمسلمين أن يتعلموا من التاريخ الحديث، أن يتحدثوا بلغة العصر، وأن لا يتكلموا من وراء حجاب الدين، فالدين أنبل وأشرف من أن يكون شعاراً في الصراع السياسي، والدين حق للجميع، ولا يحق لأيٍّ كان أن ينزعه عن آخر من أجل غرض سياسي.
التطور الطبيعي للإنسان أن يتحول إلى كائن مدني يتفاعل ويعبر من خلال مصالحه، وأن لا يقحم الأحكام الأخروية في خطابه الدنيوي، من خلال هذه النافذة دخلت آليات المجتمع المدني في العمل السياسي، وتم تقنينه من أجل تنظيم العمل الاجتماعي، وذلك لئلا يُستغل لأغراض أخرى.
علينا أن نتعلم من التطور السياسي الحاصل في بعض الدول الإسلامية مثل ماليزيا وأندونيسيا وتركيا، فما حدث أثبت أنّ المجتمعات الإسلامية تستطيع التفاعل من خلال الحراك المدني بدون إطلاق أحكام التكفير والتفسيق والزندقة، وكان المنتج دولاً اقتصادية أكثر صلابة من غيرها من الدول الإسلامية..
في حين يبدو مشهد الدولة الدينية في إيران مرعباً، في ظل تحكم مذهب وفئة محددة بالسلطة، وكانت النتيجة إقصاءات بالجملة، وأحكاماً بالإعدام للمخالفين لهم إن طالبوا بحقوق مماثلة، وهو ما حوّل الدولة في نهاية الأمر إلى دولة يحكمها الأمن الاستخباراتي والحرس الثوري الطائفي..
من هنا تبرز حقيقة أنّ الدين حق للجميع، وأن سمو عبادة الله عزّ وجلّ يتم تشويهها بالفعل إن تداخلت معها السياسة، وبالتالي تتحول إلى عبادة لله من خلال الأشخاص، الذين يدعون أنهم ظل الله على الأرض، وهذا ينطبق على مختلف الطوائف أن حكم أحدهم بالحديد والنار من أجل فرض العقيدة الصحيحة على المخالفين من الطوائف الأخرى..
لهذا السبب تحتاج مجتمعاتنا العربية والإسلامية أن تطهِّر الدين من دنس السياسة، وأن تخرج من مصيدة استغلال الدين في مآربها، والاتفاق أنّ الدين يمثل أعلى درجات الحرية إذا تم تطهيره من أغراض الدنيا ومطامع الأشخاص.