ياسر صالح البهيجان
تواجه الصناعة السينمائية المحلية تحديات كبرى في ظل ارتفاع سقف ذائقة المتلقي الذي اعتاد على مشاهدة الأفلام المنتجة في هوليوود الأمريكية، التي تمتاز بتقنيات عالية، وإرث تاريخي من العمل السينمائي، يتجاوز قرنًا من الزمان. وبالتأكيد، ستخفق السينما في مجتمعنا إن أرادت أن تقفز فجأة من الوضع البائس إلى الوضع الهوليوودي الأكثر تطورًا على مستوى العالم.
ثمة أولويات تمثل حجر الأساس لتطور الإنتاج السينمائي السعودي، تبدأ أولاً بتهيئة البيئة المناسبة لجذب رؤوس الأموال الداعمة لعملية الإنتاج، إضافة إلى استقطاب الكفاءات الشابة المبتكرة والقادرة على توليد أفكار خلاقة وإبداعية، تستوحي الثقافة المحلية، وتنطلق منها في بلورة رؤية سينمائية، تمنح العمل نَفَسَه الشرقي والعربي المختلف في تشكلاته عن المزاج الغربي الناتج من إفرازات الثقافة الأجنبية.
السينما ليست وسيلة للمتعة والترفيه فحسب، بل هي تأريخ وتثقيف ومعرفة. وكان أول فيلم أُنتج في هوليوود هو "في كاليفورنيا القديمة" عام 1910م، أرّخ للمنطقة منذ أن كانت تحت تأثير البيئة المكسيكية إلى أن أصبحت إحدى الولايات التابعة لأمريكا. وبالرؤية ذاتها أنتج فيلم "ميلاد أمة" عام 1915م، الذي تحدث عن الحرب الأهلية الأمريكية، ومرحلة إعادة الإعمار، واختارته مكتبة الكونغرس ضمن الأفلام الجديرة بالحفظ في سجل الأفلام الوطنية، واعتبرته فيلمًا ثقافيًّا وتاريخيًّا ضروريًّا للأجيال الجديدة. نحن حقًّا لسنا إزاء وسيلة للإمتاع المؤقت، وإنما أمام إنتاج فاعل، يحمل مضامين وطنية، هي دون جدل كانت من أبرز أسباب صعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى عالميًّا، وكان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يرى أن الصناعة السينمائية تتيح إمكانات هائلة لتعزيز وحدة دولته وتعزيز نفوذها.
ماذا عن وحدة وطننا؟ وعن تاريخ مدننا التراثية؟ وعن تنوع عاداتنا وتقاليدنا؟ لدينا تاريخ يستحق أن يُحتفى به سينمائيًّا، ولن يكون ذلك دون إدراك أهمية دعم الصناعة السينمائية المحلية، ودون سَن رؤية واضحة المعالم، تضع الأطر المنهجية للارتقاء بالإنتاج السينمائي، ليس بشكله الهوليوودي، وإنما برؤية سعودية وطنية؛ لأن استنساخ تجربة الآخر سيُحدث نوعًا من الاغتراب عن الذات المنتجة والمتلقية، ويُخرج أفلامًا مبتورة من سياقها الثقافي والتاريخي، فضلاً عن تقييد الإبداع الكامن في أذهان آلاف الشبان التواقين لترجمة أفكارهم إلى واقع غير مسبوق، وهذا لا يعني عدم الاستفادة من التقنيات الحديثة في صناعة السينما لدى الأمم التي سبقتنا إليها.
والاتجاه نحو افتتاح دور عرض للسينما حتمًا سيمثل أولى الخطوات في طريق الصناعة السينمائية النوعية؛ لأنها ستحفز عملية الإنتاج ما دامت إمكانية تحقيق العائد المالي ممكنة لتغطية حجم النفقات. كما أن لتعزيز المنجزات السينمائية الوطنية إيجابيات اقتصادية كبرى، من شأنها مضاعفة أعداد السياح القادمين إلى المملكة، فضلاً عن كونها ستخلق سوقًا جديدة، تتيح توظيف مئات الآلاف من المواطنين في مجال التمثيل والإنتاج والإخراج وكتابة السيناريو وصناعة الديكورات والأعمال الفنية والمعمارية والتقنية والماكياج السينمائي وتصميم الأزياء، وغيرها من القطاعات المباشرة وغير المباشرة.