د. عبدالرحمن الشلاش
من يعتقد أن تمزيق مجموعة من الطلاب لكتبهم في الشارع المقابل لمدرستهم في منطقة تبوك هو مجرد تقطيع وإعدام لبعض الأوراق، وهو عبارة عن حدث عابر يمكن معالجته بإعفاء مدير أو معاقبة طالب أو إنذار معلم فهو بهذا الاعتقاد مجانب للصواب ومجافي للحقيقة وبعيد عن الواقع وكأنه يعيش في أحد الكواكب السيارة البعيدة كل البعد عن جزء مهم من كوكب أرضي صاخب بتقطيع الكتب وإهانة العلم والمعرفة تمثله المملكة العربية السعودية مهد الإسلام وقبلة المسلمين ومهد الرسالات السماوية القائمة في تعاليمها على إجلال العلم وأهله.
لم تكن هذه الحادثة التي أعفي مدير المدرسة على إثرها الأولى فقد سبقها حوادث كثيرة في السنوات الماضية حيث أصبحت الكتب هي الفرصة السانحة أمام بعض الطلاب للتنفيس عمّا في نفوسهم وإظهار كرههم للمدرسة ومنسوبيها وللعلم وأهله وأي شيء يرتبط به.
تمزيق الكتب ليس حالة طارئة كما ذكرت، وفي هذه الأيام حيث تجري الاختبارات ما عليك إلا أن تقوم بجولة صباحية حول بعض المدارس لتتأكَّد بنفسك من خلال كمية الأوراق الممزقة أن تمزيق الكتب ظاهرة منتشرة بحجم يوازي حجم هذا السلوك المشين والمرفوض، لكن حادثة تبوك صورت وتم تداولها ليعرف عنها القاصي والداني بينما عشرات الحوادث تقع يوميًا وخصوصًا أيام الاختبارات ولا يعلم عنها أحد لأنها لم تصور!
أعرف مثلما يعرف غيري وهم أكثرية نوعية في مجتمعنا أن هيبة التعليم قد مزقها الطلاب منذ زمن، ومن مؤشرات سقوط الهيبة الاعتداء على المعلمين، وحالات الاحتقان ضد المدرسة لدى كثير من الطلاب، والفرح الكبير لدى جميع الطلاب لحظة الخروج من أبواب المدارس وكأنهم قد خرجوا من سجن كبير. أما تمزيق الكتب وهو الظاهرة الماثلة أمامنا فيقوم بها بعض الطلاب الذين لا يملكون أداة للتعبير عمّا في نفوسهم تجاه المدرسة ومنسوبيها وغيرها.
كنت أتمنى ألا تتوقف ردة فعل وزارة التعليم حول ما حدث على مجرد إعفاء لمدير المدرسة الذي ربما لا يملك حولاً ولا قوة ولن يكون بقرار إعفائه حلاً لمشكلات التعليم المزمنة. كنت أمني نفسي منذ زمن وعبر مقالاتي الكثيرة عن التعليم بحكم التخصص والخبرة أن تقوم وزارتنا الموقرة بدراسة هذه الظواهر السلبية بأسبابها ودوافعها كي تجد الحلول الجذرية لتعود من جديد هيبة التعليم وحبه والإقبال عليه لدى جميع طلابنا بدلاً من قرارات مسكنة لا تسمن ولا تغني من جوع!.