د. فوزية البكر
بالقرار الملكي السامي رقم 33322 والصادر في 21-7 -1438، وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
تأتي أهمية هذا القرار التاريخي من خلال بنوده الدقيقة التي غطت الكثير مما تعانيه المرأة السعودية في عصر التحول الوطني.
حين نأخذ بعين الاعتبار أنّ أدوار الجنسين تتقرر اجتماعياً، فسنفهم لماذا لا يستطيع المواطن البسيط تصور أدوار أخرى للمرأة لم يقررها السياسي أو الديني ويقنعه بها اجتماعياً وثقافياً. هذا يعني أن النظام الاجتماعي السائد هو من يحدد أدوار الجنسين، إذ حين تتولى مثلاً كل من أنجيلا ميركل في ألمانيا وماري تيريزا في بريطانيا رئاسة الوزراء لدول مهمة على الصعيد العالمي، تتدني قدرة المرأة السعودية القانونية (بسبب التهيئة الذهنية الاجتماعية والقانونية)، إلى الحد الذي يجعلها بحاجة لإذن من ذكر للخروج ساعة أبكر من مقر دراستها أو عملها، كما تحتاج هذا الإذن للحصول على وثائق رسمية كجواز السفر.
مساواة الحقوق بين الرجال والنساء (جندر ايكولاتي) كما ورد في تقرير اليونيسكو لعام 2000 لا يعني أنّ الرجال والنساء سيكونون سواء، بل يعني أنّ الحقوق والمسئوليات والفرص المتاحة لكل من الذكر والأنثى ومسئولياتهم والفرص المتاحة لهم، يجب أن لا تعتمد على نوع الجنس. المساواة في الحقوق بين الجنسين تعني العدالة في التعامل مع كل من الإناث والذكور حسب احتياجاتهم.
هذا التعريف لا يعني فقط الحاجة إلى سياسات تحارب التمييز ضد المرأة أينما وجدت وفي كل القطاعات، وهو ما أشار إليه الأمر السامي الكريم الذي نصّ على:
"ضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لدى الجهة ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء أو الحصول على أي خدمة مع إيضاح أساسها النظامي والرفع عنها في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر".
بل يعني الحاجة إلى حراك مدني شامل للتوعية بحقوق المرأة، سواء تلك التي أقرتها الشريعة السمحاء وعكستها قوانين دولتنا الرشيدة من خلال ما نصَّ عليه القرار الملكي الذي طالب:
"جميع الجهات الحكومية التي تقدم خدمات للمرأة بنشر تلك التعليمات والإجراءات المعمول بها في مواقعها الرسمية".
ولم يقف الأمر السامي عند ذلك، بل نادى بحركة توعية مدنية شاملة بكافة المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقّعتها المملكة مثل معاهدة سيداو وغيرها للتوعية بها حين نصّ على:
"بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية يجب وضع ما يلزم من برامج للتعريف بالاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة، وذلك من خلال وضع خطة شاملة للتوعية بحقوق المرأة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والتدريبية".
لا شك أنّ نساء المملكة على أعتاب مرحلة جديدة تعاملهن كما كان يجب لهن دائماً أن يعاملن: سواسية في الحقوق وعليهن مثل ما على زميلهن الذكر من واجبات، إذا تم التعامل معهن كإنسان كامل له نفس الأهلية وعليه نفس الواجبات.
نساء بلادي تذكّرن جيداً هذا التاريخ : 21-7-1438 الموافق 18-4-2017 ،
أنه يعني: ملاحقة كل أشكال التميُّز ضدكن في أي محفل حكومي أو خاص، وذلك بإلزام المؤسسات نفسها بمراجعة الإجراءات المعمول بها في أحوالكن، والرفع بأي شكل من أشكال التمييز ضدكن للمقام السامي خلال 90 يوماً. هل من فرحة أعظم من ذلك نعيشها نحن نساء هذا الوطن؟
والغبطة أنه لم يقتصر على ذلك حيث أخذ بعين الاعتبار أن لا جدوى من سن قرار دون تهيئة ذهنية مناسبة فأمر بضرورة:
(نشر التعليمات والإجراءات المعمول بها من الجهات الحكومية في مواقعها الرسمية)، بحيث لا يمكن إلا أن يلاحقها القانون إن حاولت التمييز. أي نصر يا نساء الوطن! كم انتظرنا هذا اليوم.
ولم يقف الأمر الملكي الذكي عند حدود المحلي بل تجاوزه ليعلن تحالفه مع العالمي في ما لا يخالف الشريعة السمحاء (وهو ما نتفق عليه جميعاً)، حين أكد على التوعية بكافة الاتفاقات الدولية الملزمة للملكة داخل قطاعات الدولة عامة أو خاصة. أية غبطة نعيشها نحن نساء هذا البلد. شكراً لك يا خادم الحرمين الشريفين ولفريقك الشاب، وحفظ الله هذا الوطن ومكّنه آمناً مستقراً.