د. محمد عبدالله العوين
قرأ محمد الجملة الأولى من كتاب مي زيادة «ابتسامات ودموع» فأوقفته وكأن فاجعة أصابتني، قلت له: أعسير عليك هذا؟!؛ إذاً خذ كتابها الثاني «ظلمات وأشعة» واختر منه أي عنوان يروق لك؛ فقرأ السطر الأول من عنوان وقع بين ناظريه صدفة فشعرت كأن الأرض زلزلت من تحتي؛ قلت له: عسير عليك أيضا؛ فخذ كتابها الثالث «كلمات وإشارات» فلم يفلح، فقمت ومددت يدي إلى الرف الزجاجي الأعلى الذي لم يحسن عامل النظافة تلميعه واستلت يدي برفق كتاب طه حسين سيد عربية هذا العصر والعصور المقبلة القادمة «من لغو الصيف إلى جد الشتاء» فقرأ منه سطرا تلجلج فيه ما شاء الله له أن يتلجلج وتمزقت كلمات طه بين فكيه؛ بل أقول انتحرت كلماته تحت وطأة ما نالها من عذاب التكسير والتهشيم والتحريف والتشويه والطمس والإلغاء والرجم والقسوة التي لا يستحقها أسلوب طه العذب السهل اللذيذ كقطرات مطر ربيعي منعش أخاذ..
حسبك.. حسبك يا محمد، وحسبي أنا أيضا فلا طاقة لي بعدما سمعت على أن أستقبل منك شيئا، ولا أعتقد أيضا أن لديك من الطاقة ما يمكنك من أن تختار لغير طه من كتب تنوء بها أرفف مكتبي المتواضع، فأمامك أيها الفتى الغائب عن مكان أنت غريب فيه كل الغربة نثار جميل من كتب مصطفى صادق الرافعي ومصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد حسن الزيات وزكي مبارك وإبراهيم المازني ومارون عبود وغيرهم، وبين ناظريك خمائل وجنان وحدائق لعلك تسمع بها لأول مرة، فلو مددت بصرك إلى هذا الرف لرأيت «النظرات» و»العبرات» و»ماجدولين» و»في سبيل التاج» ولرأيت «وحي القلم» و»على السفود» و»جنة الشوك» و»جنة الحيوان» و»الوعد الحق» و»دعاء الكروان».
ما لك يا محمد وهذا العالم السخي الشجي الثري؟!
كيف وطأت قدماك يا محمد أرض هذه الكلية وأنت تجهل الجار والمجرور والمنصوب والمرفوع، ولا تفرق بين الضمة والفتحة والكسرة، ولم تكتب يوما سطرا في مادة الإنشاء، أو تقرأ على أستاذ لك سطرا صحيحا في مادة القراءة في مراحلك الأولى التي كان يجب عليك أن تدرك فيها أصول علوم العربية؟!
من أين أتيت ؟ ومن قذف بك إلى حياض اللغة وأنت لا تدري ما هي لغة العرب ولا تدرك أيسر قواعدها، ولم يصل إلى روعك بعد وأنت تناهز العشرين من عمرك أن لها قواعد وأصولا، وأنه لا يمكن لأي إنسان يريد أن يتخذها له مهنة أو طريقا إلى العيش - إن لم يحبها ويعشقها عشقا - إلا أن يدرك أسرارها ويفقه قواعدها ويتعلم أصولها ويحفظ شواردها ويلم بشواهدها!
من أين أتيت أيها الفتى الغافل المسبه الضائع الذي فرط في تربيته وتعليمه المفرطون والمربون الجاهلون من تجار المدارس الخاصة ومن جهلة المدارس العامة؟!
هل أنت ضحية لمرحلة بائسة تعيسة مختطفة من مراحل التعليم أم أنت بشحمك ولحمك صورة مكبرة للمرحلة التعيسة البائسة من مراحل التعليم التي تمنح فيها الشهادات المدرسية بقدر ما يدفع الأب من فلوس وما يتباهى بدفعه إلى المدارس الخاصة من مبالغ في أحياء راقية أو أحياء ساقطة، سيان، فنتيجة الدفع القليل أو الكثير لمن لم يخلص أو لم يكن مهيأ بقدر طيب من التمكن العلمي ستكون وبالا على التعليم والتنمية والنهضة.
ما شأنك أنت أيها الفتى بعلوم العربية وآدابها ولم تقرأ في حياتك كتابا؟!
من دفك دفا، أو ألزمك وشق عليك وأتعسك بتخصص لا ناقة لك فيه ولا جمل؟!
قم وارحل إلى أهلك فلن أعطلك عن وظيفة تنتظرها؛ فأنت «خريج» كما تزعم، وأنت أيضا ضحية لمن ظلمك وعلمك ومنحك الشهادات المزورة!
قم فأنت ناجح وواصل تعليمك الجهل للأجيال القادمة، فكلنا ضحايا!