د.عبدالعزيز الجار الله
رحل من أحب الناس والنَّاس أحبوه، رحل تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض رئيس معمار مؤسسة اليمامة الصحفية، ومعمار جريدة الرياض -رحمه الله- رحمة واسعة، عمل الأستاذ تركي السديري مع آخرين في بناء المؤسسة والجريدة لبنة لبنة عندما كانت في المرقب بالرياض القديمة في الثمانينات الهجرية الستينات الميلادية حين كانت شوارع المرقب (غميتة) أو الحلة ترابية وبيوتها يتقاسمها الطين وخليط الجص والأسمنت، ثم الملز ملز الطفرة الاقتصادية الأولى في بلادنا أوائل التسعينات الهجرية السبعينات الميلادية، وفِي نهاية هذه المرحلة استقبلنا تركي أستاذ الجيل ومعلم صحافة هذه المرحلة ونحن للتو على مقاعد الدراسة الجامعية والبعض منا مشروع تخرج ومنا من استلم الوظيفة بعد أن أنهى الدراسة، ثم رافقنا معمار ومعلم الصحافة إلى شمال الرياض إلى حي الياسمين الاسم الأول لأمانة الرياض، ثم أسماه الملك سلمان بن عبدالعزيز حي الصحافة تكريما للصحف المتجاورة بالحي: الرياض والجزيرة والدعوة ووكالة الأنباء.
رحلة عمر وكما قالها أستاذ الجيل رئيس التحرير خالد المالك في وداع تركي السديري بمقال وجداني مملوء بالحزن عنوانه (يا رفيق العمر)، متعك الله أستاذ خالد وأطال الله في عمرك، وتقبل فقيدنا (أبو عبدالله السديري) مع الأبرار والصديقين تقبله قبولا حسنا أمين، رحلة عمر عشناها مع هذا الأب ومعمار الصحافة فكان رشيقا بالمحبة معطاء بالعاطفة ينزف نزفًا في كرم أخلاقه، لا يتوقف في تداعياته وشفافية روحه التي تجعله باكيا في صمته، يغمره الحزن وألم المرض وأوجاع الناس ويستمر يفرط بالعطاء الإنساني بلا محددات.
كان تركي وخلال ثلاثة عقود عشتها أنا وجيلي ممن كانت بداياتهم من الملز حين كانت ميزانيات الجريدة تنخفض أكثر مما ترتفع، وتغرق في ديونها أكثر من تعافيها، وبالكاد تفيق من أزماتها، فكان تركي الرمز الذي لا ينثني، كنّا ننظر إلى رمزية تركي بالقائد المنقذ لمركب المؤسسة، نتناغم في حوار مهني ووجداني وفريق عمل يطمح إلى أن يمرر قافلة الرياض إلى واحات شمال الرياض حيث دورة اقتصادية تنتظرها الصحافة بدأت من التسعينات الميلادية، ثم حصدت فيها الرياض والجزيرة بقائديها السديري والمالك أرباحا مالية للمؤسستين أنستهما رحلات الستينات الميلادية وما تلاها من أيام المكابدة المالية.
وداع تركي السديري هو الوداع الحار اللاذع والباكي والدامع المخضب بالأحزان الثقيلة، سنوات العمل ونزف الذكريات الراعف الذي لا يتوقف، وأيامه في الصباحات الباكرة وهو يطرب للحديث عن السالفة التي تتهادى بالضحك، وروحه التي تشعرك بعودة الأزمنة وتداعياتها التي تستنطق وتستدعي الماضي بكل أوراقه وأساطيره، والمستقبل الواعد في مبنى الرياض الزجاجي، وجدرانه الرخامة، والأقبية الطولية، وممراتها الباردة، ومشاعر تركي اليقظة والفطنة، ذاكرة ناهضة وذكريات لا يمكن محوها بإغماضة تركي لعينيه للنوم الطويل، سيبقى تركي مستوقد الشعلات وحاضرًا في دواخلنا لأن له معنا منحنيات وتجويفات وزوايا ركنية قصية مشعلة شموعها لا تنطفي، اللهم إلهم ذويه الصبر والسلوان وأسكنه جناتك واغفر ذنوبه وتقبله.