عبد الله الماجد
برحيل الأستاذ تركي السديري، فقدت الصحافة في بلادنا؛ محارباً شجاعاً ظل أكثر من أربعين عاماً، وهو يقف في صومعة المحارب، لا يهادن ولا يتهاون، وإنما يُحقق نجاحات متواصلة.
ينتمي الراحل العزيز، إلى الجيل الثاني من رواد الصحافة في بلادنا، وكأسلافه من جيل الرواد، تعلم المهنة وعلّم نفسه، كمعظم جيلنا الذي التحق بالمهنة مع هذا الجيل الرائد. لم نكن من محترفي المهنة في البداية، وإنما كنا هواة، يدفعنا شوق وألق المهنة إلى الانفعال والحماس. أتذكر أن ثلاث صحف، هي الرياض، والجزيرة، ومجلة اليمامة، كان يجمعها دور واحد من مبنى مطابع الرياض بحي المرقب جنوب الرياض. دور لا تتعدى مساحته مائة متر، المكاتب متواضعة ومتجاورة، وللقارئ أن يتخيل. محررو الرياض ومحررو الجزيرة، لا يفصل بينهما إلا قائم من الخشب، معظم المحررين لا مكاتب لهم، كان العدد في الرياض لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، غير المندوبين المتبرعين بخدماتهم. القسم الرياضي كان هو القسم الذي يحظى بالاهتمام، وكان الراحل العزيز على رأس هذا القسم - حيث كان لهم مكتب ولمدير التحرير مكتب، هي مكاتب تحرير جريدة الرياض، في أواخر الثمانينيات الهجرية (أواخر الستينيات الميلادية). وكنت في القسم الثقافي، وليس لنا مكتب من الغرف الخمس الصغيرة أو الست لا أكثر، أما سكان تلك الغرف -على ما أتذكر مع حفظ الألقاب- محمد العجيان، صالح الصويان، تركي السديري، محمد أبا حسين، محمد الوعيل، فهد الحارثي (الذي رحل للدراسة في فرنسا) عبدالله الماجد. ومن الجزيرة -على ما أذكر- خالد المالك، سليمان العيسى، راشد فهد الراشد، عثمان العمير، سعد الحميدين، ومن اليمامة، محمد الشدي، علوي الصافي، عبدالرحيم نصار، على العفيصان. أما مكاتب المؤسسة، ففي إحدى عمارات الدغيثر بالبطحاء، وفيها الأستاذ عبدالله القرعاوي مدير عام المؤسسة، والأستاذ أحمد الهوشان نائب المدير العام ورئيس تحرير الرياض.
لم يطل بنا المقام في مطابع الرياض بالمرقب، فقد انتقلت مكاتب «الرياض» إلى المبنى الحديث للمؤسسة في حي الملز على طريق الرياض الدمام (خريص) ويضم مطابع المؤسسة الحديثة -حينذاك-.
مع انتقال الأستاذ محمد العجيان رئيساً لتحرير جريدة اليوم بالدمام، وتفرغ الأستاذ الهوشان لأعماله التجارية. تم اختيار الأستاذ تركي العبدالله السديري رئيساً لتحرير جريدة الرياض، وبدأت مرحلة جديدة واكبت التطور المتلاحق السريع في عالم الصحافة.
ومما لا شك فيه -وهو ما يجب التذكير به- أن تركي السديري؛ قاد مرحلة مستمرة من التطوير شملت التحرير، كما كان داعماً لتطوير المطابع، وبدأت الرياض تأخذ شكل الصحيفة الحديثة المتطورة باستمرار، كانت صفحات العدد لا تتجاوز الاثنتي عشرة صفحة. وطور أقسام التحرير في الجريدة وأصبح كل قسم مسئولا عن مواده. لأول مرة في تاريخ الصحافة السعودية، طوّر منصب مدير التحرير، ليصبح مدراء التحرير من ثلاثة مدراء بدلاً من مدير واحد، وكل واحد من هؤلاء (وقد كنت واحدًا منهم) له مسئولياته التي يختص بها. ثم مسئولية شاملة في الجريدة هي مسئولية مدير التحرير، وقد خطت -بعد ذلك- معظم الصحف على خطى الرياض.
كان الراحل العزيز، دائم التطوير لذاته أولاً، فقد كان قارئاً نهماً، امتاز بذائقته العالية؛ يقرأ في موضوعات متعددة، هي إحدى أدوات الصحفي المتميز. وإلى جانب الحس الصحفي المتميز، كان سريع الاستبطان والاستيعاب لكل ما يقرأ. وقد انطبع ذلك في أسلوبه في الكتابة الذي فاجأ الجميع -في ذلك الوقت- مع بداية كتابته لزاويته الشهيرة «لقاء»، وأصبحت هذه الزاوية حديث المجتمع؛ أسلوباً وجرأة في تناول الموضوعات.
ولم تخمد جذوة التطلع للعمل والتطوير في ذاته، في يوم من الأيام، كان يشعر أنه لا يزال في بداية مشواره متطلعاً إلى الأيام، لم يشعر بوطأة الزمن التي تداهمنا، وهذا سر استمراره ونجاحه، إلى آخر يوم في عمره المقدر عند خالقه الأعظم. لا شك أنه يمثل ظاهرة متميزة بكل المعايير في حياتنا الصحفية والثقافية.. رحمه الله رحمة واسعة.