محمد سليمان العنقري
عملياً بدأت برامج التحول للوصول لأهداف رؤية المملكة الإستراتيجية، حيث أعلنت تفصيلات أوسع نطاقاً بالبرامج العشرة التي أعلنت أخيراً، ويرأس كل واحد منها أحد الوزراء أو من في مرتبتهم بحسب الاختصاص، يضاف إلى ذلك ما كان قد أُعلن من إيضاحات شاملة لبرامج التوازن المالي ومعها التحول خلال السنوات القادمة حتى 2020م.
لكن مع تراجع النمو الاقتصادي الحاد والتوقعات بأن لا يتعدى نموه 0.4 % بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لهذا العام، مع توقعه أيضاً بأن يكون النمو بالعام القادم 2018 م عند 1.3 % بدلاً من توقعه السابق بأن يصل إلى 2.3 ،% معللاً ذلك بشكل أساسي لانخفاض إنتاج النفط والانضباط المالي بسياسات رفع كفاءة الإنفاق، وبمعنى أكثر وضوحاً سياسة مالية مشددة، وذلك بهدف تقليص العجز وضبط وترشيد الإنفاق ورفع الإيرادات غير النفطية، فمحور العمل الحكومي تركز بالسياسة المالية وكيفية رفع الإيرادات وخفض العجز من خلال هيكلة شاملة قلصت الإنفاق على المشاريع بنسب عالية، بل وتم أيضاً إعادة دراسة تكاليف القائم منها وخفض مصروفاتها بأرقام كبيرة تجاوزت 80 مليار ريال خلال العام الماضي، فكل ذلك أتى بإيجابية على المالية العامة بتقليل السلبيات جراء انخفاض أسعار وإيرادات النفط، لكن في المقابل كان له تأثير بالغ بخفض النمو الاقتصادي الذي يرتكز بنسبة كبيرة جداً على الإنفاق الحكومي خصوصاً بالسنوات العشر الماضية، والتي لا يمكن أن يتأقلم معها الاقتصاد أو القطاع الخاص بسرعة على خفض الإنفاق الكبير مما أدى لإشكاليات عديدة واجهت منشآت خاصة وقطاعات كانت تنمو بمعدلات عالية فتراجع أداؤها بنسب كبيرة، كالإنشاءات والتجزئة، ولحق بها بقية القطاعات بمستويات متفاوتة من التراجع بالنمو.
وبالمقابل أعلن من خلال برنامج التوازن المالي وكذلك ما صرح به سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية عن حجم إنفاق سيصل إلى نحو 700 مليار ريال بالاقتصاد المحلي على مشاريع وقطاعات عديدة مع دعم الأسر ببرنامج حساب المواطن اعتبر نقطة تحول بدعم عودة المسار الصاعد للنمو الاقتصادي خلال الأعوام الثلاثة القادمة، لكن مع انتظار إعلان تفاصيل برامج الإنفاق وتوجهاتها سيبقى الحديث عن التعامل مع الأولويات بالنسبة لخطط التحفيز الاقتصادي هو الشغل الشاغل للقطاع الخاص وللباحثين عن فرص الاستثمار والعمل خصوصاً أن البطالة ترتفع ووصلت إلى 12.3 % كثاني أعلى نسبة لها خلال العشر أعوام الماضية.
فمع حالة تباطؤ نمو الاقتصاد الحاد وما يعانيه القطاع الخاص من ضعف بأدائه وكذلك تراجع توليد فرص العمل تحديداً التي يمكن للمواطنين شغلها كأهم مؤشر على صحة الاقتصاد، إضافة لعوامل مؤثرة وضاغطة أخرى قادمة، كرفع الدعم عن الطاقة والمياه والوقود وكذلك رفع رسوم العديد من الخدمات التي بدورها ستشكل سبباً مباشراً بارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة بنهاية المطاف التي قد لا يغطي الدعم المقدم من برنامج حساب المواطن نسبة عالية منها مما يعني تقليص الإنفاق الاستهلاكي للأفراد وتأثير ذلك على النمو الاقتصادي سلباً مع احتمال كبير بضعف متنوع سيواجهه القطاع الخاص بين تراجع الأرباح إلى الوقوع بالخسائر واحتمالية خروج بعضها من السوق، فإن عوامل دعم الاقتصاد قد لا تكون كفيلة بتماسك القطاعات ومنشآتها مما يعني تأخير الخروج من حالة اقتصاد ضعيف النمو لسنوات أطول، واحتمال زيادة الإنفاق الحكومي لتقليل الآثار السلبية لهذا الاحتمال السلبي للاقتصاد وزيادة ببرامج الدعم الاجتماعي، مما سيؤثر سلباً على تحقيق أهداف البرامج المعلنة نحو التحول، وكذلك أهداف الرؤية الأبعد زمنياً بتقليص نسب المتحقق منها أو بارتفاع التكاليف لتنفيذها مع بروز احتياجات عديدة لمعالجة آثار تراجع النمو الذي قد ينزلق لركود، وإن كانت بعض التقارير غير الرسمية ترى أنه حدث فعلياً من خلال ربطها بالتضخم السلبي لثلاثة أشهر متتالية بحسب تقارير هيئة الإحصاء، ولكن الأخطر أن ينزلق الاقتصاد لركود طويل أو يتحول لما هو أشد "الكساد".
إن تحديد الأولويات والمسارات يبقى هو مفتاح الحلول العملية التي تقلل الآثار السلبية لأي برامج تحول، فطبيعي أن يكون هناك سلبيات، لكن عند تحديد أين تكون البداية، وما الذي يمكن أن يؤجل أو يكون هو الخطوة الأولى سيحدد الكثير من توقعات النمو وتكاليف تحقيقه، وكذلك تقليص الآثار السلبية، فعادة ما تتجه الحكومات عند مواجهة بطئ في الاقتصاد أو ركود لبرامج تحفيزية كضخ أموال بالسوق المفتوحة لتنشيط الاقتراض والاستثمار، وكذلك مشاريع تنموية حكومية بتمويل متنوع وأيضاً تخفيض للضرائب أو الرسوم وكل أداة يمكن أن تسهم بخفض تكاليف المعيشة أو التشغيل للمنشآت بقصد زيادة الإنفاق وتحريك عجلة النمو، فهل من الأنسب البدء برفع أسعار دعم الطاقة وأيضاً الرسوم وغيرها مما يضغط على إنفاق الأسرة والفرد وأيضاً يعمق من تردي نشاط القطاع الخاص الذي يعد هو المستهدف ليقود النمو بالاقتصاد في وقت يشهد النمو الاقتصادي تراجعاً كبيراً؟ فكل المعطيات تقود إلى ضرورة إعادة النظر بكل البرامج التي تستهدف رفع الإيرادات العامة من خلال رفع الدعم والرسوم بهيكلتها بما يتناسب مع واقع الاقتصاد وقدرته على تحملها على الأقل لخمس أو عشرة أعوام حتى يعود النمو القوي للاقتصاد ويتم جدولة هيكلة الدعم وتوجيهه لمستحقيه، وكذلك تغيير بقية الرسوم بحسب المدة الزمنية المناسبة والذي يمكن معرفته من خلال إجراء اختبار التحمل للأسرة وللقطاع الخاص.
الرؤية هي مستقبل اقتصاد المملكة وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط مؤكد لا يلغي أهميته بل يزيح عن كاهل الاقتصاد الارتباط بنموه لحجم الإيرادات النفطية حتى تستقر خطط التنمية وتنفذ بحسب جدولها الزمني، وهذا يتطلب تحقيق إيرادات متنوعة عديدة لكن أيضاً لابد من دراسة قدرة تحمل تغيير هذه التكاليف على الاقتصاد الجزئي والكلي ووضع الأولويات والمسارات المناسبة حجماً وزمناً لتعظيم المنافع وتقليل الآثار السلبية للوصول للأهداف الاقتصادية التنموية الكبرى.