عروبة المنيف
مشهد مؤلم يتكرر نهاية كل عام دراسي، يعبر عن ثقافة الاحتفال بنهاية العام الدراسي، أقل ما يوصف به هذا المشهد بالعنف والامتهان، معبرًا عن ظاهره حقيقية منتشرة تمارس على مرأى ومسمع من الجميع سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع، تتكرر تلك الظاهرة سنويًا، ولا يظهر في الأفق سوى حلول سطحية تطرح في وقتها ثم تلقى مكانها في الأدراج لنعود إلى ذات الإشكالية مرة أخرى، يعتبرها ممارسوها مع الأسف بأنها عرس ثقافي واحتفال مهيب له طقوسه يعبرون فيه عن إنجازهم العظيم في نهاية كل فصل أو كل عام دراسي.
إنها المسرحية الهزلية المتكررة سنويًا، ظاهرة «تمزيق الكتب الدراسية من قبل الطلاب والطالبات» أو حرقها أحيانًا أخرى، التي تمارس كل عام ورأينا أحد فصولها مع الأسف هذا العام في إحدى المدارس الابتدائية بتبوك، لقد تم وضع الكتب على المقصلة من قبل الطلاب، انتقامًا منها، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان!. إن منظر أوراق الكتب الممزقة والمتطايرة في الهواء، المفروشة على الأرض، المداسة بالأقدام وعجلات السيارات، مؤلم جدًا، يعبر عن سلوك الامتهان والاحتقار للعلوم وللمعارف. لقد جاءت ردود الأفعال تجاه تصرف طلبة مدرسة تبوك مسرعة من «أعلى سلطة تعليمية» بإقالة المدير لتلك المدرسة التي أهان طلابها الكتب!.
ونتساءل: هل إقالة مدير مدرسة ستحل الإشكالية المنتشرة في كل المدارس؟، هل سيتم إقالتهم جميعًا؟، لقد كانت «مدرسة تبوك الابتدائية «هي النموذج وكبش الفداء الذي تم تصويره ووصل للإعلام. فأين الوزارة من المدارس الأخرى التي تعقد تلك الطقوس الاحتفالية من تمزيق وحرق للكتب ولم تصل عدسة الكاميرا لها؟
الإشكالية ليست شخصية، ولا تكمن في إقالة مدير هنا ومدير هناك، الإشكالية أعمق من ذلك بكثير، إنها إشكاليه منهجية، قيمية، سلوكية، فإذا كانت الأساليب التعليمية لا تزال تعتمد على الحفظ والتلقين والحشو الفكري بمناهج تعليمية تخدم أجندات ومصالح معينة، ماذا سيكون نتاج هذا الفكر الممنهج؟، أن التعليم عندما يرتكز على تحفيز المهارات، على التفكير النقدي الإبداعي، على تعليم مهارة حل المشكلات، يتعلم الطالب تباعًا البحث عن المعلومة في الكتب وفي مصادر المعلومات المختلفة ليستقي معلوماته منها، فلا تعطى له جاهزة، سيتعلم طرح الأسئلة، ووضع الفرضيات والاستنباط، ستتطور ملكة التفكير والبحث لديه، ما يجعله مقدرًا لمصادر المعلومات وللكتب التي استقى منها معارفه ومدركاته، سيحترمها لتكون بالنسبة إليه وسيلة عملية توسع آفاق التفكير الخلاق لديه، فينمي مقدراته ومهاراته واستقلاله الفكري. إن احترام العلم والمعارف والكتب قيمة؟ فكيف يداس على قيم لا ترتقي أمة بدونها؟ ألم يكن من الأحرى إلزام الأهالي بدفع تأمين لتلك الكتب لإعادتها للمدرسة قبل تسليم النتائج؟ الوسائل كثيرة، والرؤية في النظام التعليمي تتطلب الإلهام والإبداع والتحفيز، الإمكانات موجودة، الوضع يتطلب الحزم والهمة من أجل التغيير لمواكبة العصر.