د. فيصل صفوق البشير المرشد
لقد حلمنا بالكثير من التنمية في فترة التسعينيات من الهجرة (السبعينيات الميلادية فترة الطفرة الأولى)، وترجمت تلك الأحلام إلى مشاريع في خطط التنمية، وتحقق الكثير من تلك الأحلام وبقي الأكثر الذي لم يتحقق بعد ، وفي هذه الأيام نقرأ ونسمع نحن شباب تلك الفترة (كبار السن الآن) عن رؤية 2030 والتحول الوطني المنشود، وبدأنا نشعر بأنّ ما لم يتحقق من أحلامنا في تلك الفترة سيتحقق بعون الله في هذه الفترة، فترة الشباب السعودي الطامح الذي لن يقبل بأن يذهب في متاهات تحرمه من نعمة التنمية مرة أخرى كما ذكر ولي ولي العهد.
1 - ذكرنا سابقاً أنه إذا استمرت المناهج الدراسية كما هي سيأتي اليوم الذي لن يجد خريج الجامعة عملا ً لأنّ مؤهلاته لا تصلح لسوق العمل الجديد. إذاً يجب تغيير المناهج (وما زالت لم تتغير جذرياً) وقيل لنا آنذاك إنّ الوقت غير مناسب.
2 - هدفت الخطط التنموية إلى تكرير نصف إنتاج المملكة آنذاك من البترول لزيادة العائد. فكان الرد وأي عائد أغلى من سعر بترول يبلغ حوالي 34 دولاراً للبرميل بتكلفة إنتاج منخفض جداً، فاستمر الحال على ما هو عليه.
3 - رؤى أنه يجب إعطاء المرأة الفرصة لتكون عاملاً منتجاً في وطنها وذلك بتأهيلها تأهيلاً جيداً وتمكينها من أمرها للعمل في اقتصاد حديث .. فقيل إن الوقت غير مناسب.
4 - فكرنا في إنشاء جهة مستقلة عن بيروقراطية الدولة وظيفتها إنشاء التجهيزات الأساسية لمواقع بالمملكة؛ لتكون حاضنة لصناعات المستقبل، وخاصة البتروكيماويات منها. فاستنفرت جماعة الوقت غير المناسب، ورفضت الفكرة جملة وتفصيلاً، وكأنها بدعة من بدع الزمان. إلى أن وقف في وجههم ذلك الرجل مؤسِّس الاقتصاد لسعودي الحديث الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله -. وأنشئت الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وقد رأس مجلس إدارتها، واحتضنت مشاريع سابك للخير.
5 - ألحّ الكثير استراتيجياً على إنشاء منفذ آخر لتصدير البترول عن طريق بناء أنابيب من شرق المملكة إلى غربها؛ لتفادي مضيق هرمز، وبعد رفض ومماطلة جماعة الوقت غير مناسب، وحجة أن لا فائدة تجنى من ذلك العمل، بنيت بعض الأنابيب بطاقة محدودة ، وحين قامت الحرب العراقية الإيرانية تحقق لجماعة الوقت غير مناسب فشل اجتهادهم، ودفعنا الثمن غالياً.
6 - لقد حذر من بقاء الإدارة العامة كما هي تدير شؤون البلاد بطرق عقيمة الكفاءة لمواجهة تحديات اقتصاد حديث. فتعجب الكثير من الجماعة المذكورة، وساروا بالإدارة كما كانت بحجة أننا سنفكر في ذلك حين تدعو الحاجة عندما يبدأ الاقتصاد الحديث. رؤية قصيرة لا ترى أبعد من يومها.
7 - دونت الخطط التنموية أنّ الهدف النهائي والأنبل لكل برامج التنمية ، رفع المستوى المعيشي للفرد وصيانة كرامته. أي رفاهية الوطن والمواطن. فبئس تنمية لا تحقق ذلك الهدف، لذا وجب تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السعودي، والابتعاد قدر المستطاع من الاعتماد على مصدر دخل واحد وهو البترول، أي خلق نشاطات اقتصادية متنوعة لتوظيف الأجيال القادمة تغذي بعضها البعض، ولا تعتمد كلياً على السوق الدولية كما البترول . أي أننا هدفنا إلى إنشاء سوق عمل ديناميكية متنوعة تبتعد قدر المستطاع عن سوق عمل يعتمد على التوظيف الحكومي وقطاع البترول. فقيل إنّ الوقت غير مناسب لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي ، وخاصة أن الأموال متوفرة لتلبية حاجات البلاد، مرة ثانية رؤية قصيرة لا تحلم حتى بغدٍ أرغد.
ما ذُكر أعلاه بعض الفرص التي ضاعت من عمر تنمية المملكة ، بعضها سيعوّض لكن الزمن الذي فات لن يعوّض، ودفعنا الثمن وتأخرنا لأننا أنصتنا لاجتهادات جماعة الوقت غير مناسب، وحقاً أنصتنا طويلاً وصبرنا كثيراً على هذه الجماعة، وقصر نظرها وسوء اجتهاداتها، وبئس نتائجها والآن إليكم ما يلي:
- تنخر البطالة المجتمع السعودي من جميع نواحيه وفئاته من المتعلم بشهادات عالية إلى متوسط التعليم ، ويبدو أنها تزداد يوماً بعد يوم معلنة بأن الاستمرار بتنمية كهذه دون معالجة هذا الأمر، إما سيقود إلى ضياع الفرص ثانية أو الفشل الذريع، والتحسر على الفرص والزمن الضائع، إذاً علينا سرعة معالجة هذه المشكلة ؛ لتلافي تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والتي بدورها ستؤثر على استقرار المجتمع. ولنتذكر دائماً أن أخطر عامل هدم في مجتمعٍ ما متعلم عاطل ، وحيث إن إحصائيات البطالة توحي أنّ الإناث يمثلن النسبة الكبرى من مجموع العاطلين بالمملكة ، فما علينا إلا تمكين المرأة بإزالة كل العوائق مهما كانت التي تقف في وجهها ، وتقود إلى بطالتها دفعة واحدة إن أمكن ذلك، وأشهد أن الوقت مناسب للقيام بذلك، فالفائدة ستقل إن كان تمكين المرأة يأتي مثلما يقال تدريجياً.
يعني تمكين المرأة إصدار الأنظمة لإلغاء كل العوائق التي تقف في وجهها؛ لخلق المساواة في الفرص مع كل العوامل الإنتاجية الأخرى ، تسهيل وصولها إلى عملها عن طريق قيادتها لسيارتها أو شركات النقل أو سائقها الخاص سيعطيها الفرصة للوصول إلى عملها بسرعة ، لكن قد يكون عملها لا يدر عليها ما هيأت نفسها له من تعليم وخبرة لأنها لم تعط فرصة الخيار.
إذاً تمكين المرأة يعطي الفائدة القصوى حين يكون متكاملاً من جميع الجهات، وأي أنظمة تصدر لهذه الغاية يجب أن تطبق فوراً، فلا فائدة تجنى من نظام جيد لا يطبق.
ودعنا نؤمن إيماناً مطلقاً بأن بقاء هذا العامل الإنتاجي معطلاً وبهذه النسبة العالية لن يقود إلا لضعف النمو الاقتصادي ، وازدياد المشاكل على مر الزمن.
إننا مجتمعا أعرج لا يستطيع القيام بكل النشاطات المطلوبة لزيادة إنتاجه ، ورفع كفاءته إن بقي الوضع على ما هو عليه .
أركز على هذا العامل الإنتاجي خاصة لأنّ تنمية المملكة ستبقى منقوصة ولن تستغل الطاقات الكامنة في البلاد علي الوجه الأمثل، إن لم تحرر كل عوامل الإنتاج من العوائق ، وخاصة ما يكبل المرأة من المشاركة الفعلية .
يقال إنّ توظيف 300 ألف سعودي سيخفض البطالة إلى حوالي 7% من 12.5% الآن، إذاً ليفتح قطاع السياحة والضيافة لحاجته واستيعابه لكثافة عمالية عالية على مصراعيه لتوظيف العاطلين من الجنسين ، والاستفادة من هذا القطاع الواعد والذي درس من جميع الجهات لزمن طويل ، وأشهد أنّ الوقت مناسب للاستفادة منه الآن.
ولتبقى المملكة إن شاء الله مرفوعة الرأس آمنة لا علامة عجرفة وازدراء لأحد، بل علامة شكر وعرفان للعليّ القدير الذي وفقها للسير في طريق تنمية هدفها رفاهية الإنسان ، والمجتمع.