أمل بنت فهد
لا شك أن طاعتهم لك مغرية.. حين يكون أمرك قيد التنفيذ ولا يحتاج منك أكثر من إشارة.. سواء كانت طاعتهم بدافع المهابة أو المحبة.. إلا أن للطاعة نشوة اعتلاء العروش.. وهمسات الخدم الخاضعة تضاعف متعة النزعة للتملك والتحكم بمصائرهم.
لكن حين يكون محور الطاعة أبناءك.. وأسرتك.. وكل من تربطك بهم علاقة عاطفية وليست مجرد علاقة مهنية.. فإنها مؤشر علاقة غير صحية.. وغير صادقة.. وفيها شيء من الانتهازية.. والفرض.. والوصاية.
حين يكون ابنك مُطيعاً جداً.. خاضعاً حد التلاشي.. فإنه مشروع إمعة تم إعداده ليكون صيداً سهلاً.. وفريسة محتملة لأي مغرض أو مستنفع.. لأنك وبحكم العادة التي زرعتها في إرادته.. وصل للمرحلة الأخطر في الانقياد والانسياق خلف أي شخصية تملك أبسط مقومات السيطرة.. بصراحة مطلقة.. أنت قدمت للحياة دمية هلامية.. تتشكل وفق مهارة الأنامل اللعوب.
شخصية ضعيفة لا تقوى على البوح برأيها.. وربما لم تتعلم كيف تصنع رأياً.. لذا هي مستعدة للتبعية.. تعرف كيف تكون مفعولا به.. لكنها أبداً لن تكون فعلاً ولا اسماً.. لأنك سلبتها القدرة.. وارتبطت لديها الطاعة بالقبول.. والحب.. والفرض.. لا شيء تعرفه عدا الطاعة.. سواء أعجبها الأمر أم لم يعجبها.
لذا حين تلوح تباشير العناد في ابنك وابنتك.. زوجك أو زوجتك.. صديقك أو صديقتك.. وكل من تحب وتهتم لأمره.. فاحتفِ بها.. مهما كانت مزعجة.. مهما كانت تحدياً لصبرك وتحملك.. مهما تسببت بالخصام.. لأن شريكك هنا يحاول أن يكون صادقاً معك.. أن يكون كما هو.. أن يبوح برغبته وإن خسر هدوء العلاقة.. فلا شيء يمكنه أن يدمر الروابط العميقة كما يفعل الكذب.. والمجاملة من أجل إرضاء الطرف الثاني.. صحيح أن الطاعة طريق مختصر للموافقة.. لكنه طريق النفاق.. طريق يخفي تحته أنواع الكبت الذي يفاجئ العلاقة ببرود وصقيع لا يستطيع حتى الجحيم إذابته.
العناد هو التقاء الغايات المختلفة.. حين لا تكون متطابقة.. هو اختلاف الرأي الأجمل.. لأنه يحكي بصدق عن الإرادة.. لأنه مرحلة العلاقات الحرة من استعباد الشرط والاستغلال العاطفي.
أن يكون ابنك عنيداً.. فإنه عصي على التلاعب.. ولديه منطق يحتاج إقناع كي يقول: نعم.
أن يكون شريكك عنيداً فإنه يحاول أن يكون كما هو.. لا يجاملك ويكذب عليك ليكسب رضاك.. سيكون مستعداً لإسعادك لأنه سعيد بحريته.