فوزية الجار الله
في الظهيرة كانت الشمس ساطعة جداً، شعرنا بشيء من حرارتها، بسبب عدم فعالية جهاز التكييف في السيارة، رغم لطافة الجو إلا أن أكثرنا خفة ورشاقة أعلنت بأن الحر سيقتلها، دعوناها بأن تهدأ فلم تتجاوز حرارة ذلك اليوم عند الظهيرة أكثر من 35 درجة مئوية وربما أقل..
واتفقنا أن ننسى جميع المنغصات وأن نتجاذب الأحاديث ونردد الأناشيد والأغاني.. قالت السيدة الحكيمة: ليتني أحضرت دفاً صغيراً، أعرف الضرب عليه، يوماً ما ستشهدن ذلك..
هل يعقل ذلك وأنت لا تستمعين إلى الأغاني؟
هناك فرق يا عزيزتي، ضرب الدفوف جائز..
لم يطل هذا الجدال فقد وجدنا أنفسنا نردد (سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخذها الهوى..)، ثم نردفها بنغم آخر «وحشتوني.. وفكرتوني باللي كان»..
الهوى هوايا أبني لك قصر عالي.. / واخطف نجم الليالي / واشغَل لَكْ عقد غالي / يضوى احلى الصبايا
دا انا الهوى هوايا هوايا..)
رحمك الله يا عبدالرحمن الأبنودي، كاتب الكلمات.
ما بين ترديد الأغاني، نبدي انزعاجاً من ضيق السيارة، كان عليك أن تطلبي صوراً للسيارة، هذه معدة لأشخاص من وزن لا يتجاوز الخمسين كيلو ونحن كما تعلمين، ألا يعتبر ذلك غشاً وتدليساً؟! تتابع السيدة الرشيقة وهذا الحر، أوف، لا أطيق الحر يجعلني أفقد توازني.. تشرع السيدة الراقية بالتصفيق وتدعونا إلى متابعة الغناء..
طال الطريق، طال كثيراً لا ندري متى نتوقف؟ كلما سألنا السائق قال نصف ساعة فقط! ثم تمتد النصف إلى ساعة أخرى! قالت إحداهن: يبدو أنه قرر خطفنا! هل يعقل ذلك كيف له بخطف تسع نساء، بل نحن من يخطفه إلى نهايته إن فكر بذلك!! تصاعدت الضحكات.
شعرنا بشيء من القلق على ما نحمله معنا من أطعمة خشية ألا تصبح صالحة للاستهلاك بسبب طول الوقت وامتداد الطريق، وقد شعرت صاحبة الكرم بشيء من الندم ورددت بصوت عال: توبة، مشيرة إلى عدم تكرار ما فعلت، توبة.. توبة، وارتفعت أصواتنا معاً دعماً لها
«توبة إن كنت احبّكْ تاني توبة»..
أخيراً وصلنا موقعنا المأمول..
أذهلنا مشهد النهر الذي يتدفق بغزارة لا ندري نقطة بدايته ولا إلى أين ينتهي؟ التقطنا الكثير من الصور ووثقنا حضورنا إلى جانبه، ارتشفنا القهوة والشاي بكثير من المتعة والانتشاء تحت ظلال الأشجار وشلالات الماء تتدفق مبتهجة حولنا، عدنا من الرحلة بعد غروب الشمس وحلول المساء ونحن نردد حكايات نبتدعها بيننا نطرح فكرة لموضوع ما ثم تبدأ إحدانا جملة حسب الحروف الأبجدية ثم تكمل الأخرى. أضواء «البسفور» تتلألأ رائعة فوق ذلك الجسر العملاق، نهبط من السيارة ونطلب من السائق أن يسامحنا ونعطيه أجرته كاملة مع مبلغ خاص به صدقة نطهر بها أنفسنا من ذلك اللهو والصخب الذي استغرقنا طوال النهار.