د. خيرية السقاف
حادثته هاتفيًا أطمئن عنه حين تخلى عن رئاسة تحرير «الرياض»، ولي معرفة أكيدة بأنه لن يفعل هذا إلا بطارئ فارض..!
لا أنكر أن الموقف كان مؤلمًا، على الرغم من يقيننا بأن دورة الحياة، تأتي بحتمياتها نحو المثول متى تشاء لها أقدارها..
كان آخر من سألته عنه اثنان، مازن ابنه العزيز، وموزة الحقيل زوجته العزيزة الفاضلة.
اجتاحني ألم كبير مذ بدأ في مسار الوداع،
توجست تلك اللحظة!..
فهو زميل، وأخ، ورمز وطني مهم، وذو مكانة في تاريخ الصحافة رائدة، وقفزات مهمة في مسيرة جريدة «الرياض»، وتطور العمل الصحفي النسائي تحديدًا فيها.
وحين يتخلى عن رئاسة تحريرها فإنه يُلمح بالوداع،
ما أشاع في النفس ذلك الألم..
لحظتها كان تركي السديري وهو يُسلِم «الرياض» الجريدة لغيره يودع الرياض المدينة،
يودع الوطن الذي عرفته حجرات بيوته، وردهات مؤسساته، وجلسات مفكريه، وحوارات إعلامييه، بل زملاء المهنة حيث يكونون، وحيث كانت بصماته، يبدي رأيا، يوجه لخطة،
يتقبل مقترحًا..
ولم يكن يهمه شيء أكثر مما كان يهمه أمر سلامة ما ينشر لغويًا، ومصداقية ما تنشره «الرياض» باختلاف مستوياته وموضوعاته.
وفي كل حالات هدوئه، وغضبه تركي السديري كانت «الرياض» الجريدة في دورته الدموية تنبض مهما كان وهج نبضه متدفقًا حارقًا، ومنسابًا هادئًا..
تركي السديري لا يختلف على دوره، وريادته، وبصماته، وبروزه حتى المختلفين معه..
له من المقتدين بمهنيته جميع من تخرَّج في مدرسة صحيفته «الرياض» على يديه،
وكل من كان فيها عضوًا ذا دور، كاتبًا ذا حرف، أو مهنيًا ذا اختصاص، أو فنيًا خلف الأجهزة والمطابع، أو في التحرير، والإشراف..
عرفه الجميع، وعرفوا حماسه، ودأبه، وحميته لمهنته، ولماحيته، وغضبه، ورضاه..
وحرصه أن يكون المنافس الشرس، لتكون «الرياض» له الوطن الصغير الكبير..
لذا بقي تركي السديري في «الرياض» الجريدة، وهو ليس فيها،
فإذا به يفاجئنا أمس بالرحيل من الرياض المدينة، الرياض الأهل، الرياض كل من عرف..
إن وداعه مؤلم، وفقده خسارة كما قال «مازن»، ويقول الإعلام، وتقول الكتابة، وتقول مهنة الصحافة، ويقول زملاء التاريخ..
لكنه سيبقى ما دام للتاريخ ذاكرة، وللوفاء كيان..
ذهب تركي لحيث البقاء الأبدي، في كنف رب رحيم، وملاذ أمين..
فاللهم أكرم وفادته إليك، وأحسن استقباله بعفوك ورضاك، وأنزله في روضة من جناتك العليا،
وأجبر مصاب أسرتيه،
مصاب زوجه وأبنائه، وأهله، وأقربائه، وأسرة مؤسسة اليمامة وجريدة الرياض، وقرائه..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. رحمك الله يا أبا عبدالله وأرضاك.