عبده الأسمري
في شخصيته تعدّدت المهارات وفي سيرته تجددت المهمات، فأثرى المناصب بالإبداع وأغرى القيادة بالإمتاع فظل ملازماً لها.. جيولوجي برتبة عالم وقيادي بمنصب أمين عام ومسؤول بمرتبة معالي.
إنه أمين عام رابطة العالم الإسلامي السابق ونائب رئيس مجلس الشورى الأسبق الأكاديمي والعالِم الدكتور عبد الله عمر نصيف، صاحب السيرة الراجحة بالهمم المانحة بالعطاء الإنساني والخيري والإغاثي والعلمي والفكري.
بوجه سموح ومحيا طموح تملأه علامات الاستقامة ولحية بيضاء زادته وقاراً وأضفت عليه طيبة ضافية وسكينة صافية. وطلة أنيقة تتوارد بياضاً في هندامه الذي يعكس بياض قلبه ونقاء سريرته، وصوت مألوف ونبرة أليفة تتوارد منها اللهجة الجداوية في حياته العامة، واللغة الفصحى حين الخطابات والقرارات والمفردات العلمية أثناء المحاضرات، يطل نصيف اسماً وطنياً فاخراً، يحمل في طياته قامة خدمت الوطن والعلم والمنهج الإسلامي، إنساناً ومسيرة علماً ومعرفة قيادة ومنصباً.
في جدة عاش طفلاً يتنقل في أحياء البلد والرويس وجدة التاريخية، يراقب الباحثين عن المعرفة وهم يعاقرون الكتب ويتسامرون مع القراءة، حيث نبغ باكراً فكان قريباً من جده الذي اعتاد منه حصافة الفكر مع الضيوف واستقرأ فيه فصاحة الكلام، فكان عوناً له في تجارته وضيافته ومهامه.. وتعلم من والدته مبكراً أهمية العلم ومنبع العصامية، عندما كانت تدير مدرسة من أقدم مدارس البنات مؤسسة مناهج متميزة في الدعوة، وفي محو أمية أهالي أحياء جدة القديمة وما جاورها من القرى آنذاك، فنمت في عقليته دافعية العلا وتنامت في مخيلته حب الآخرين، وتسامت في روحه مساعدة الغير، فسار في درب فريد من التعليم سار به إلى أعلى مراتب الأستاذية في تخصصه وأسمى رتب المناصب في مهامه. أتم نصيف دراسته في التعليم العام بجدة ثم واصل تعليمه العالي في الرياض، ونال بكالوريوس العلوم في الكيمياء من جامعة الملك سعود عام 1384، وواصل تعليمه وحصد درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ليدز عام 1391، عمل أستاذاً في جامعة الرياض 1971 - 1973 ثم «أستاذ مساعد» ورئيس قسم الجيولوجيا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1974 - 1976، ثم عمل أميناً عاماً ووكيل جامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1976 - 1980، ثم تم تعيينه مديراً لجامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1980 - 198، ونائباً لرئيس مجلس الشورى السعودي ونائباً لرئيس لجنة الحوار الوطني السعودي، وأميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، وتقلّد عدة مناصب هامة، فعمل رئيساً لمجلس هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عام 2000 وترأس مؤتمر العالم الإسلامي، وتقلد منصب أمين عام المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ورئيس الاتحاد العالمي للكشاف المسلم، ويعمل الآن رئيساً لمؤسسة عبد الله بن عمر نصيف الخيرية وعضو المجلس التنفيذي لمؤتمر العالم الإسلامي.
لنصيف عدة عضويات في جامعات وأكاديميات، وهو نائب الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ورئيس مجالس أمناء في معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت بألمانيا، والمركز الثقافي الإسلامي في جنيف والمركز الإسلامي الثقافي في سيدنى والجامعة الإسلامية في النيجر، والجامعة العالمية الإسلامية في شيتاجونج، وجامعة دار الإحسان في بنجلاديش.
وقد قام نصيف بجهود جبارة لربط شباب الجامعات والمشاركة في اللقاءات، وتوظيف عدد من مناهج العمل الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي، تمخضت عن دراسة أوضاع الأقليات الإسلامية وحلّ مشكلاتها، وجهوده الكبرى في مشروع الإغاثة الإسلامية المعروف بسنابل الخير، الذي يرمي لإنقاذ الجموع الفقيرة في أطراف العالم الإسلامي من الفقر والجهل والمرض، ومنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وقد توجته عدّة جهات نظير أعماله في النواحي الخيرية والتعليمية والأدبية والكشفية والجيولوجية، حيث نال وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى (أعلى وسام سعودي) سنة 1424، وجائزة الأمير محمد بن فهد للأعمال الخيرية، ووسام الهلال من حكومة باكستان، وخمس دكتوراه فخرية من عدة جامعات عالمية..
سار عبد الله نصيف في درب أخضر ملأه بالوطنية وطريق أبيض كلله بالتقى ومسار نقي سطّره بالوفاء، ولا يزال يحمل حقيبته الممتلئة بخطابات المحتاجين وأجندات الدراسات ومؤلفات العلم، ويرافقه قلمه الذي كتب القرار وأمضى التوقيع، فكان شاهداً على العلم شهيداً على الفكر.