عمر إبراهيم الرشيد
معروف لكل مطلع ما تمثله القارة السمراء من موارد طبيعية هائلة للعالم بأسره كفيلة بأن تقضي على المجاعات ونقص الغذاء في هذا الكوكب وإلى ما شاء الله من زمن، بما تتوفر عليه من غابات استوائية ومناطق زراعية على امتدادها، وموارد نفطية ومعدنية. وإن كانت معضلة القارة المزمنة في بعض أجزائها ودولها الحروب والنزاعات أو عدم الاستقرار في بعضها الآخر، إلا أنها في العقد الأخير بدأت تشهد شيئًا من الهدوء والاستقرار إذا استثنينا الصومال وجنوب السودان ومالي. هذه القارة التي دخلتها الصين بهدوء عبر اقتصادها وشركاتها ثم بدأت تركيا على إثرها، ذلك أن الفرص الاستثمارية هائلة في هذه القارة التي ما زالت تنشد كل ما يلزمها من بنية تحتية وإعمار. وبما للمملكة من ثقل سياسي واقتصادي وحضور دولي مشهود، أخذ زعماء ورؤساء دول أفريقية على امتداد القارة يتوافدون على الرياض التي استقبلتهم بكل ترحاب، فللجانبين اهتمامات ومنافع ومصالح متبادلة. هذه الدول تطمح للحصول على حصة من القوة الاقتصادية والاستثمارية للمملكة في مجال النفط والبتروكيماويات والمعادن، إضافة إلى الاستثمار في المجال الزراعي والغذائي، بما لهذه الدول الأفريقية كما قلت من موارد طبيعية وفرص استثمارية واعدة. والمملكة بمنطلقها ومكانتها كونها قبلة المسلمين وحاضنة الحرمين، تؤمن عمليًا لا نظريًا فحسب، بواجبها تجاه المسلمين في العالم وأفريقيا ضمنًا، فالعلاقات ليست مصالح ذاتية فقط وهذا هو المبدأ الإسلامي الذي يميز سياسة المملكة، كما أنه مبدأ إنساني على كل حال حتى لو بدا لنا العالم اليوم على غيره.
على أن مساعدات المملكة التي يصعب حصرها على امتداد العقود الماضية، أخذت في السنوات الأخيرة وفي عهد الملك سلمان - حفظه الله- تحديدًا تدار باحترافية ومؤسساتية، مستفيدة من خبرات وكفاءات محلية ودولية وتقنيات إدارية وتشغيلية عبر مركز الملك سلمان للخدمات الإنسانية الذي وصل إلى الداخل السوري كما إلى دول أفريقية عديدة.
وإن كانت المملكة بموقعها الجغرافي والسياسي والاقتصادي قد قل حضورها في أفريقيا خلال الفترات الماضية بتأثير أزمات المنطقة من ناحية، وأزمات أفريقيا نفسها من ناحية أخرى، إلا أن تحسن الوضع السياسي هناك كما قلت، ومحاولات نظام ولاية الفقيه التغلغل ونشر الفكر الصفوي في دول القارة لأهداف معروفة، كما سعي المملكة لتقوية دورها سياسيًا واقتصاديًا في القارة، كل هذ وغيره يمكن قراءته في الحراك السعودي الأفريقي الحالي. وكما قلت فإن سياسة المملكة في هذه القارة تحلق بجناحين، واحد يمثل العون والإغاثة من مبدأ إسلامي وإنساني لا يميز طائفة أو عرقاً عن غيرهما، والجناح الآخر زيادة الاستثمار طويل الأجل لصالح الأمن الغذائي للمملكة وللدول المستفيدة على حد سواء. هذان جناحا السياسة السعودية التي بدأت ملامحها تتبلور مجددًا في القارة السمراء، مع عدم التدخل في شؤون دولها الداخلية من جهة وحشد الدعم للقضايا العربية من جهة أخرى. وهنا نستحضر سياسة المملكة في عهد الملك فيصل -رحمه الله- حين أقنع الدول الأفريقية حينذاك بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة الاحتلال في فلسطين، مع دعم المملكة لتلك الدول اقتصاديًا، باستثناء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حينذاك. أعلم أن موضوعًا كهذا لا يوفيه مقال صغير حقه من الحديث والنقاش، لكنها إشارات لعلها تكفي أحرار التفكير، حفظ الله هذا الوطن وقيادته وكل أوطان المسلمين، وطابت أوقاتكم.