إبراهيم عبدالله العمار
هناك نظرية قديمة عن المخ بدأت تنهار: لا توجد طريقة واحدة للتفكير.
بهذا أقصد ما اكتشفه علماء كثيرون في العقود الماضية، أنّ المخ يحوي طريقتين للتفكير: طريقة سريعة آلية تفعلها بدون تفكير (مثل أن تكون لوحدك في المنزل ثم تسمع صوتاً غريباً من إحدى الغرف، فتخاف)، وطريقة بطيئة متأنية تُحلّل الأمور (مثل أن تفكر في ذاك الصوت وتتذكر أنّ جهازاً كهربائياً تعطل بالأمس وأصدر صوتاً مشابهاً، فتطمئن). هاتان الطريقتان برمج الله مخك ليستخدمهما ليس فقط في فهم العالَم بل في إنقاذ حياتك، وسأركز اليوم على النظام الأول أي السريع والتلقائي، فهو لديه بعض الأساليب التي يسير عليها ومن أبرزها ما يسمّى: التصنيف. إن نظام التفكير السريع يصنّف الأشياء، فمثلاً تمشي في الشارع وتسمع وراءك صوتاً وتلتفت وإذا به كائن صغير يشبه الأسد، فتكمل طريقك مطمئناً لأنّ المخ صنّف القط أنه آمن، لكن لو التفتَّ ورأيتَ شيئاً يتحرك يشبه الحبل فستفر فوراً بلا تفكير ولا تحليل، لأنّ المخ صنّف الثعابين وكل ما يشبهها أنها خطر يجب تفاديه بقوة.
كما ترى فالتصنيف آلية شديدة الأهمية لبقائك، لكن له معايب، منها أنه يعطيك أفكاراً خاطئة. مثلاً، لم يحصل بينك وبين الهنود الحمر أي احتكاك، لكن تسافر لأمريكا وفي أحد الأسواق يحصل شجار بينك وبين أحدهم، بعدها قد يصنّف مخك جميع الهنود الحمر بالسلبية، وهذا خطأ، فشخص واحد لا يمثل عِرقاً أو دولة كاملة، لكنها من عيوب التصنيف، وأكثر الناس يبغض أصحاب لون معين أو دولة معينة بسبب موقف أو موقفين مع بعضهم.
وهذا يقودنا لسؤال العنوان. تسأل.. «كيف؟» .. والرابط بسيط: الشركات تعتمد على آلية التصنيف لتحثك على شراء منتجاتها. لماذا الكثير من المنتجات الموجهة للرجال تحوي شابات جميلات؟ دعايات السيارات والعطور الرجالية والكثير غيرها، بشكل دائم تجد فتاة حسناء رغم أنه لا علاقة لها بالمنتج، لكن عقلك يصنّف السيارة إيجابياً بسبب انجذابك للفتاة، يضع السيارة والحسناء في صندوق واحد له صبغة إيجابية. تذهب للسوق وتجد نوعين مختلفين من مشروبات الطاقة، فتختار الأول لأنك رأيت لاعباً شهيراً يشربه في الإعلان.. التصنيف وضعَ المشروب والمشهور في غرفة داخل مخك ثم أغلقها وعلّق عليها لوحة مكتوب عليها «أشياء تعجبني». المغني الشهير بونو من فرقة U2 يستخدم أحد منتجات لويس فيتون، أو شركة جيفانشي تدفع لجاستن تيمبرليك لكي يروّج لعطرهم، لاعب التنس روجر فيدرر يلبس رولكس، والكثير جداً غير ذلك، حتى صار هذا هو الأساس في الإعلانات الآن، أي استخدام مشاهير لا ناقة لهم ولا جمل في المنتَج، فقط لكي يصنّع مخك هذه السلعة إيجابياً.
إن هذا المبدأ قديم، حتى إن الشركات تستخدمه منذ أكثر من 100 سنة! هل تعرف مصدر الخطورة؟ إن التصنيف هذا يحدث لا شعورياً. إنك لا تفكر بعمق وتقول «سأشتري بدلة أرماني لأني رأيت رونالدو يرتديها»، ولا تقول «سأشتري تلك الساعة لأنّ سيلفستر ستالون لبسها»، وأنتِ لا تحللين ذهنياً تلك الدعاية التي تحمل فيها امرأة شهيرة حقيبة يد معينة، بل هذا يحدث بشكل آلي لا نشعر به.
هذا ما يجب أن ننتبه له .. الذين يستخدمون آليات مخنا لأغراضهم الخاصة!