نجيب الخنيزي
كما كان متوقعًا وفقًا لنتائج الاستطلاعات الأخيرة عشية الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية، فقد بينت النتائج النهائية عن فوز مرشح الحزب الديمقراطي اليساري، المدافع عن حقوق الإنسان مون جون - إن وبفارق كبير (أكثر من 41 في المائة) عن أقرب منافسيه وهو المحافظ هونغ جون بيو الذ حصل على 23.3 في المائة من الأصوات.
ووفقًا للجنة الانتخابات أن نسبة الإقبال كانت مرتفعة وبلغت 77.2 بالمائة من إجمالي عدد الناخبين المؤهلين، مقارنة بانتخابات عام 2012 التي شهدت نسبة إقبال بلغت 75.8 بالمائة. وشارك الناخبون بكثافة في الاقتراع تعبيرًا عن احتجاجهم إزاء الفساد وغلاء المعيشة وارتفاع معدل البطالة مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
وصرح مون جون (64 عامًا) في المقر العام لحزبه في سيول أن فوزه تعبير عن «تطلع الشعب للتغيير حيث ركزت حملته الانتخابية إلى حد كبير على الاقتصاد ومحاربة الفساد.
الجدير بالذكر بأن الرئيسة السابقة بارك غيون هاي، وهي أول رئيسة كورية جنوبية، قد عزلت من منصبها بعد تورطها في فضيحة فساد في ديسمبر 2016، وثبتت المحكمة الدستورية قرار البرلمان تنحيتها في مارس 2017، والمعروف بأن والد بارك، الجنرال بارك تشونغ هي، قد حكم البلاد لمدة 18 عامًا بعد أن سيطر على الحكم في انقلاب عسكري، وكان يحظى في حينه بدعم أمريكي غير محدود وذلك في فترة الحرب الباردة.
وجاء فوز مون لينهي عشر سنوات من حكم المحافظين، ووفقًا لتصريحاته السلمية حول الوضع الملتهب في شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يؤشر لحدوث تغيير كبير في السياسة حيال بيونغ يانغ وكذلك الحليف والراعي الأمريكي، إِذ يدعو مون إلى الحوار مع كوريا الشمالية بهدف نزع فتيل التوتر ودفعها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، ومعلنًا عن استعداده لزيارة العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ.
كما أعلن رئيس الاستخبارات الوطنية الجديد في كوريا الجنوبية، سو هون، إمكانية عقد قمة بين الكوريتين، إذا توافرت الشروط لذلك، وإنه على استعداد للذهاب إلى بيونغ يانغ من أجل ذلك.
وفي المقابل فإن الرئيس مون يريد الحصول على استقلالية أكبر في العلاقات بين سيول وواشنطن التي تنشر 28 ألفًا من جنودها في كوريا الجنوبية.
وقد اشتهر بتصريحه الذي قال فيه: «يجب على كوريا الجنوبية أن تتعلم قول لا لأمريكا». وأكد، مون جيه إن، كذلك عزمه على حل مسألة نشر منظومة «ثاد» الأمريكية للدفاع الصاروخي على أراضي بلاده عبر الحوار مع واشنطن وبكين. وقال: «من أجل حل قضية «ثاد» سأجري مباحثات صريحة مع الولايات المتحدة والصين».
ووفقًا لسيرة مون الذاتية المنشورة في كتاب نشره في وقت سابق هذا العام، فقد هرب والدا مون من كوريا الشمالية إبان الحرب الكورية (1950 إلى 1953).وكان والده يعمل في معسكر لأسرى الحرب، بينما كانت والدته تبيع البيض في ميناء بوسان الجنوبي.
وقد سبق أن اعتقل مون لقيادته احتجاجات ضد حكم بارك تشونغ هي الديكتاتوري، وحكم عليه بالسجن. وأثناء وجوده في السجن تمكن من التخرج من كلية القانون وأصبح محاميًا قبل أن يطلق سراحه في نهاية المطاف، حيث مارس نشاطًا حقوقيًا واسعًا.
كشف في سيرته عن أنه يحلم بالعودة إلى قرية هونغنام التي ينحدر منها والداه في كوريا الشمالية وكتب «أفكر في قضاء ما تبقى من حيأتي هناك في هونغنام أمارس عملاً دون أجر. عندما تتوحد الكوريتان سلميًا، أول شيء ارغب في عمله هو اصطحاب والدتي البالغة من العمر 90 عامًا إلى مسقط رأسها».
عند الحديث عن المعجزة الاقتصادية التي شهدتها بعض دول شرق آسيا وبغض النظر عن تباين واختلاف تلك العوامل والمسببات الداخلية أو الخارجية، أو مدياتها وما رافقها من مثالب وسلبيات جدية، فإن تجربة كوريا الجنوبية تشكلا نموذجًا فريدًا، ودرسًا بليغًا في التنمية المستدامة، حيث استطاع هذا البلد الزراعي الفقير، الذي لا يمتلك أي ثروات طبيعية أو بشرية مؤهلة، أن يتمكن في مدى ثلاثة عقود (أقل من جيل واحد) في التحول إلى بلد صناعي حديث ومتطور في مجالات العلم والتعليم والتكنلوجيا والمعرفة. للحديث صلة