د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أكتب هذا المقال وما زلتُ أرجو أن لا تُصبح المعرفة هما (يسهر الخلقُ جرّاه ويختصمُ) وأحمد الله أن في بلادنا لهاث محمود نحو المعرفة أو لعلها الرغبة في الانتساب إليها ولو حبوا, وتأسيساً عليه فقد استُحدثت في بعض الجامعات مسارات الدراسة «عن بُعد» أو ما تمت ترقيته تحت مسمى «الانتساب المطور» وتفاعل الكثيرون مع هذا النوع من أساليب التلقي، كبديل ملزم أو كبديل معنوي، وعلى الرغم من عدم مجانية ذلك التعليم، لكنها الثقة في أصوله لأنه نظام عالمي أثبت نجاحه، ولأنه في صورته الذهنية بيئة تعليمية مكتملة، ولأن مخرجاته العالمية فريدة استطاعت حصد كؤوس المنافسة من أقرانهم في سوق العمل، ولن أتحدث عن الإستراتيجية التي صممت بها برامج «التعليم عن بُعد» في جامعاتنا فأقطابها «أدرى بشعابها» وسوف أدخل من بوابة المخرجات التي ملأت السهل والجبل، وأنطلق من الجانب التنظيمي، فكما أعلم ويعلم صانعو سياسات التعليم العالي أن هناك تنسيقاً بين الجامعات والجهات المختصة بالتوظيف مضمونه أن لا يُنشأ برنامج أكاديمي جديد إلا أن يكون متسقاً مع متطلبات سوق العمل بمعنى أن تكون كل صناعة جديدة تخدم المواطنين عبر قائمة كبيرة من الفرص المتاحة, وأن تتغلب هذه المخرجات على جمود خطط التوطين من خلال امتلاك قرار المنافسة، حيث إن كفاءة النظام التعليمي تُقاس بمدى تحقق الجودة في المخرجات، وجودة المخرجات تعني استقطابها في منصات سوق العمل المختلفة واقتحامها ميدان ريادة الأعمال بقوة، ولكن واقع مخرجات «التعليم عن بعُد «يقول إنهم لا يقبلون كمعلمين!!؟ وسوق التعليم واسع متجدد نام، وفي معايير المفاضلة الأخرى ليس لهم التفاتة «حتى يصدر الرعاء» كما أنهم في ذيل التصنيف الوظيفي المنصوص عليه نظاماً في كثير من دوائر العمل كما يعاني الراغبون في الدراسة العليا من عدم القبول لأن المفاضلة تخنقهم عن بُعد أيضاً! وحتى لا نميل كل الميل فإن الواقع المحمود لخريجي «التعليم عن بُعد» حين تتاح لهم فرصاً للترقية ممن هم على رأس العمل الحكومي، والشاهد أن المأمول من وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم الالتفاتة العميقة للتعليم عن بُعد تصميماً ومخرجات حتى لا يباع التعليم مقابل شهادات للزينة، حيث يلزم تجويد واقعه في سياسات القبول؛ لأنه يعتبر فرصة للمتميزين وحفزاً لمن يملكون مهارات عليا فيلزمه سن معايير عليا للقبول فلا تمنح الفرصة إلا للطلاب الذين يمتلكون مهارات عاليةللتعلم الذاتي ويملكون مهارات متفوقة تسمح لهم بالتعلم عن بعد تدفعهم إلى عملية تطوير معرفية تراكمية تنتج عندهم جملة من المهارات القافزة، أما بناء البرامج فإن واقعها المشاهد لم يُبنى على ما يحقق نواتج التعلم وبالتالي فإن التقويم يظهر بالشكل التقليدي الذي يركز على الاختيار من متعدد والصواب والخطأ ومن خلال ذلك كل ينجح إلا من أبى!! والحقيقة أن برامج التعليم عن بعد يجب أن تكون من أصعب البرامج في تصميم محتوياتها وفي بناء أدوات التقويم التي تتناسب مع خصوصية هذا النوع وبما يحقق القدرة على ممارسة عليا للابتكار لأنه تعليم قوي ولكنه قوبل بسياسات ضعيفة.
وأعرّجُ هنا على السياسات الإدارية المتبعة في إدارة التقويم والاختبارات في التعليم عن بعد التي تحشد لها الحشود ممن هم في سلك التعليم في كل فصل دراسي من المراقبين والمشرفين ومديري مراكز الاختبارات ومدخلي البيانات من الجنسين، «والعاملين عليها» من المسؤولين الذين ينتسبون له مرجعياً فهلا كانت هناك عين وطنية عادلة فيمن يكلفون بتلك المهام المؤقتة ويتقاضون عليها أجوراً مادية!!؟.. أليس من العدل وتكافؤ الفرص أن تتاح هذه المهام للعاطلين ممن على قوائم الانتظار في الخدمة المدنية واستوفوا شروط التوظيف؟.. وإن كان تكليفهم بالمهام مؤقتاً إلا أنه دعم وفائدة وخبرة والموضوع جدير بالوقوف لمن ألقى السمع وهو شهيد، كما نأمل أن تكون الأموال المستحصلة من الطلاب من ممكنات المعرفة في برامجهم، ومن محفزات المهارات لديهم، فمازال الطلاب في رحلة ضبابية يخوضونها عن بُعد أيضاً.