حمّاد السالمي
- كثيرًا ما نتحدث عن الفساد الإداري والمالي في ديارنا نحن من يُطلق علينا (العالم الثالث)، وإذا أردنا المقارنة بين حالة وحالة، نستورد الأمثلة مما يجري في دول وشعوب متطورة يطلق عليها (العالم الأول)، متمنين بطبيعة الحال؛ أن تحل بيننا نماذج كهذه، وأن نشهد مثلها، وأن نصل ذات يوم؛ إلى هذا العالم الأول الذي يقدم للبشرية هذه النماذج الحضارية الناضجة في النزاهة والنجاح على كافة المستويات.
- لكن كيف نواجه نموذجًا طارئًا على عالمنا الثالث هذا؛ تميز بالفرادة والدهشة لدرجة الغرابة، حتى أصبح حديث وسائل الإعلام في الشرق والغرب؛ بعد أن قام مؤخرًا؛ بطرد (10 آلاف موظف) بسبب (التزوير) في بلاده..؟
- النموذج الطارئ الذي نتحدث عنه هنا؛ هو: (جون ماغوفولي)، رئيس تنزانيا.. لكن من هو..؟ وماذا فعل حتى أطلق عليه: (الرئيس البلدوزر)..؟
- هو (جون بومبي ماغوفولي)، رئيس دولة تنزانيا، قاهر الفساد في بلاده التي يبلغ عدد سكانها: (50 مليون نسمة). حاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء، وبدأ معلمًا في الثانوية، ثم خدم مع شركة صناعية قبل أن يدخل عالم السياسة.
- بعد انتخابه في أكتوبر تشرين الأول 2015م؛ أقال فورًا عددًا من المسؤولين البارزين؛ من بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد ذاته، ورئيس مصلحة الضرائب، ومسؤول بارز في السكك الحديدية، ورئيس هيئة الموانئ، في إطار حملة أوسع لمكافحة الفساد. هل توقف (الرئيس البلدوزر) عند هذا الحد..؟
- أوقف الاحتفالات الرسمية في يوم الاستقلال؛ لوقف الصرف غير المبرر، وحول التكلفة لمحاربة وباء الكوليرا أوان ذاك. ثم.. أنقص عدد الوزراء من (30 وزيرًا) في الحكومة؛ إلى (19 وزيرًا)، ثم.. وهذه مهمة للغاية.. طلب من جميع الوزراء؛ الكشف عن أرصدتهم وممتلكاتهم، وهدد بإقالة أي وزير لا يكشف عن حسابه، أو لا يوقع على تعهد بالنزاهة.
- منع جميع سفريات المسؤولين للخارج بغير ترخيص مباشر منه، حيث يرى أن هؤلاء المسؤولين؛ عليهم أن يهتموا بالمشاكل الداخلية، أما السفراء؛ فعليهم أن يهتموا بها في الخارج. كما منع المسؤولين في الحكومة من السفر في الدرجة الأولى في الطائرات.
- منع اللقاءات والندوات الحكومية التي تقام في الفنادق، وفي لقاء الكومنولث؛ أرسل (4) من المسؤولين فقط ليمثلوا البلاد بدلًا من (50) ممثلًا كانوا يستعدون للسفر كوفد حكومي.
- وفي زيارة مفاجئة له قام بها للمستشفى الرئيسي في الدولة، وجد المرضى يفترشون الأرض، ووجد أيضًا بعض الأجهزة الطبية متعطلة، فعزل جميع المسؤولين في المستشفى، وأعطى مهلة أسبوعين للإدارة الجديدة لإصلاح الأعطال، لكن وفي خلال ثلاثة أيام فقط؛ أصلحوا كل شيء..!!
- أنقص ميزانية حفلة افتتاح البرلمان الجديد إلى (7 آلاف دولار من 100 ألف دولار)، و حول المبالغ لتكملة نواقص المعدات الصحية بالمستشفى الرئيسي بالبلاد.
- أرسل رئيس الوزراء في تفتيش مفاجئ لميناء دار السلام، واكتشف وجود تجاوزات ضريبية، واختلاسات بلغت (40 مليون دولار) من العائدات، فأمر باعتقال رئيس الديوان في تنزانيا مع خمسة من كبار مساعديه، وبدأ بتحقيق جنائي معهم.
- أمر بجمع جميع عربات (4×4) التابعة للدولة، وباعها في المزاد العلني، وعوضهم بسيارات (تويوتا فيتز).
- قام بتحويل ملايين الدولارات؛ بهدف تحسين أوضاع التعليم والصحة والمستشفيات وإنشاء الطرق.
- شن حملة شرسة على المتهربين من الضرائب، وجمع في شهر واحد؛ (500 مليون دولار)..!
- يقوم يوميًا بزيارات مفاجئة للوزارات والمؤسسات الرسمية. وعقب كل زيارة؛ يقيل عددًا من كبار المسؤولين، بل ويحيلهم للمحاكمة.
- هذا الرئيس الاستثنائي حقيقة؛ عرف أن الفقراء هم ترمومتر نجاحه، وأن الإصلاح لا يأتي بزيادة الأعباء عليهم، وإنما بتحسين أوضاعهم. فبعيدًا عنهم؛
قام بحملته الشرسة للنهوض بالاقتصاد التنزاني، وهو يسعى لنقل بلاده من دولة فقيرة؛ إلى دولة متقدمة وعصرية.
- هذا هو (جون ماغوفولي)، رئيس دولة أفريقية تنتمي إلى (عالمنا الثالث). أطلقت عليه وسائل الإعلام حتى في أميركا وأوروبا لقب: (البلدوزر - الجرافة)، لأن شغله الشاغل وهمه الدائم منذ أن تولى رئاسة الدولة: (اجتثاث ومحاربة الفساد في تنزانيا). كان هذا دأبه من اليوم الأول في السلطة، محققًا بذلك وعده في الحملة الانتخابية، وبدون أن يقول لأحد من التنزانيين كبارًا أو صغارًا: (عفا الله عما سلف)..!
- هل تتمنى أن يكون هذا النموذج في بلادك..؟ سألني صديق عربي ونحن نتثاقف عن بعد في هذه الحالة الفريدة فقلت: نعم.. أتمنى أن يكون كل قيادي في بلدي (بلدوزر - جرافة)، نزيها وعافا كافا، في شجاعة وقوة ونزاهة وشفافية الرئيس: (جون ماغوفولي). جرافة قوية، تجرف المفسدين إداريًا وماليًا، وتجتث الفساد من كل وزارة وإدارة ومؤسسة ومكتب.
- كنا نقول: ما أحوجنا إلى (جرافة فساد) متينة، أما اليوم فهي حاضرة تحمي المال العام، وتصحح المسار الإداري، وتمهد الطريق؛ لعقول مبرمجة على العلم والعمل. في التعليم أولاً، ثم في الصحة، وفي البلديات، والاتصالات، والمياه، والكهرباء. وفي كل وزارة وإدارة وجهة لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بخدمة المواطنين ورعايتهم.