د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كان لي شرف لقاء معالي وزير الإسكان الأستاذ ماجد الحقيل في مكتبه في 14 شعبان 1438 مع نخبة من الكتاب، للاستماع إلى شرح معالي الوزير حول جهود الوزارة الحثيثة التي بذلتها خلال الفترة الماضية، والتي تنبثق من التحول الذي تعيشه المملكة وفي الوقت نفسه تتوافق مع تحقيق رؤية المملكة 2030.
تحاول وزارة الإسكان جاهدة التعامل مع التحديات السابقة من خلال تشخيص الواقع، والتعامل معه وفق حاجة كل منطقة، حتى تتمكن من تقديم منتجات سكنية عديدة ومتنوعة تتناسب مع رغبات طالبي السكن، ولكن وفق دخولهم حتى تتناسب مع التمويل والسداد لتضمن سير العملية بشكل متكامل دون ثغرات وتعثرات مستقبلية.
حيث يُعَدُّ القطاع العقاري ثاني قطاع بعد القطاع النفطي بل محركاً تنموياً، لكن ظل العقار السعودي لعقود طويلة يسير دون ضوابط ما دفع بالأسعار إلى مستويات مرتفعة تجاوزت الضعف خلال العقد الماضي فقط.
لكن بعد خطوة رسوم الأراضي وانخفاض أسعار النفط التي تسببت في ركود في الفترة الماضية حتى قرار عودة البدلات، وإن أدت إلى نقطة التعادل بين قدرة المواطن الشرائية وسعر العقار لكن البوصلة العقارية قادت إلى الإيجار بدلاً من الشراء والتي تمثل نسبة 60 في المائة من القطاع العقاري، أي لا زلنا في مرحلة إعادة الهيكلة وإصلاح التشوهات عبر التشريعات والأنظمة التي تضمن سير العملية من دون تعثر ولا تعطي فرصة للمتلاعبين في استغلال الثغرات خصوصاً ممن أدمنوا التكسب على الهامش في الفترة الماضية من خلال المضاربات وتدوير الأراضي من دون تنمية.
لذلك اعتزمت الدولة توفير 1.5 مليون وحدة سكنية خلال الأعوام الخمسة المقبلة، لكنها تحتاج إلى مبادرات وبرامج جديدة من شأنها حماية المتعاملين في سوق العقارات من خطر البيع الوهمي والاحتيال السائد في الفترة الماضية، فضلاً عن أنها تحمي حقوق المستأجرين والملاك على حد سواء.
ستلعب كذلك الهيئة الوطنية للعقار دوراً مهماً بفكر اقتصادي احترافي، كون قطاع العقار يرتبط بصناعات كثيرة لتحفيز الاقتصاد المحلي القادر على توليد فرص وظيفية، حيث يُعَدُّ القطاع العقاري أحد أوسع المجالات لانتعاش الاقتصادات في كثير من الدول.
تشكل المنتجات السكنية والتمويلية رافداً لمجموعة من البرامج والمبادرات التي أطلقت سابقاً، سعياً لرفع نسبة التملك السكني وتحقيق مزيد من الرفاه والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لجميع المواطنين، إضافة إلى تحقيق التوازن الأمثل بين العرض والطلب في سوق الإسكان وتيسير بيئة إسكانية متوازنة ومستدامة، كما أنها تسهم في وضع الحلول المناسبة لجميع المواطنين المستحقين للدعم السكني بالجودة والسعر المناسب، وبالتالي تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تشمل تحفيز المعروض العقاري ورفع الإنتاجية لتوفير منتجات سكنية بالسعر والجودة المناسبة وتحسين أداء القطاع العقاري، ورفع مساهمة العقار في الناتج المحلي والإسهام في انتعاش القطاعات ذات العلاقة مثل التمويل والعقارات وغيرها.
خصوصاً أن رؤية المملكة 2030 تعتبر مشكلة الإسكان مرتكزاً مهماً لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وهو ما جعل وزارة الإسكان تبدأ بالدفعة الأضخم منذ تأسيس وزارة الإسكان والصندوق العقاري عن إطلاق أولى دفعات برنامج سكني الذي يتضمن 280 ألف منتج سكني وتمويلي للتخصيص والتسلم في جميع مناطق المملكة، منها 120 ألف وحدة سكنية بالشراكة مع القطاع الخاص يتم تسليمها خلال 3 أعوام تبلغ إجمالي استثماراتها نحو 119.5 مليار ريال، خصوصاً أن هناك 75 ألف أرض جاهزة للبناء، ونحو 85 ألف تمويل سكني مدعوم التكاليف من الدولة، وذلك بالشراكة بين صندوق التنمية العقارية والبنوك والمؤسسات التمويلية.
لكن كيف يمكن مواجهة تحديات الإسكان التي تبحث عن كثير من الإجابات؟
يمكن مواجهة هذه التحديات من خلال تقديم مزيد من الدراسات التي تسهم فيها مراكز الأبحاث في الجامعات بالتعاون مع وزارة الإسكان الدؤوبة والنشطة.
صحيح أن برنامجاً سكنياً يقلب موازين قطاع العقارات السعودي ويجعل عام 2017 استثنائياً خصوصاً أنه برنامج صاحبه قرارات لتصحيح السوق العقارية والتصدي لظاهرة المكاتب الوهمية بعد شطب 55 ألف مكتب خلال عام واحد فقط، إلى جانب حصر الأنظمة والتشريعات العقارية لتحويلها إلى مظلة هيئة العقار.
لكن يظل أحد أهم العوائق التي تواجه سوق الإسكان التمويل، وهو قلق لمسته من معالي الوزير كذلك أثناء اللقاء، حيث تبلغ قيمة القروض العقارية للأفراد من المصارف بنهاية عام 2016 نحو 110 مليارات ريال ونحو 177 ملياراً من الصندوق العقاري، وهو ما يحد من طموحات الدولة في حل أزمة الإسكان.
فيما نجد قيمة أصول المؤسسات والهيئات المستقلة المستثمرة والمودعة في الخارج بنسبة 84.1 في المائة وتبلغ 359.9 مليار ريال من إجمالي كلي بنحو 427.9 مليار ريال حتى أبريل 2017، حيث تبحث الدولة عن الدعم الذكي للفئات حتى يغطي تمويل 6 أضعاف المستفيدين ويقلص متوسط الانتظار إلى 5 سنوات بدلاً من انتظار 11 سنة وإقراض ستة مقترضين مقابل مقترض واحد لكن لا يزال القطاع العام حتى الآن هو القائد والغالب في قيادة هذا التحول، وهو ما يُعَدُّ نقطة ضعف، لكن يجب أن تكون مؤقتة ريثما يتم البحث عن بدائل مثل تسييل قيمة الأراضي البيضاء وتصكيكها وبيعها في السوق للحصول على سيولة هائلة وضخمة لتمويل مشاريع واسعة، خصوصاً أن قيمة الأراضي البيضاء تقدر بقيمة تتراوح ما بين أربعة وعشرة تريليونات ريال.
حيث هناك مساحات أراضٍ بيضاء داخل المدن بنحو 2278 قطعة أرض بلغ إجمالي مساحتها 635 مليون متر مربع، منها فقط 8 ملايين متر مربع أراض بيضاء مرهونة لدى المصارف. وأمام ملاك الأراضي البيضاء خياران، إما التطوير أو البيع. هذا، إضافة إلى أن المناطق الشعبية والعشوائية داخل المدن تُعَدُّ مخزن أراضٍ يمكن اللجوء إليها خصوصاً في ظل تأخر اكتمال بناء البنية التحتية للنقل العام مما يؤجل بناء مدن سكنية في الضواحي بتكلفة أقل للوحدة السكنية.
لكن اكتفت وزارة الإسكان عن نية رفع تمويل صندوق التنمية العقاري إلى 550 مليار ريال، وفي الوقت نفسه تحويل إستراتيجية صندوق التنمية العقاري من ممول إلى داعم وصانع للسوق.
بينما هناك توصيات في مؤتمر الإسكان العربي والمملكة طرف فيها توصي بتنشيط سوق السندات لتوفير التمويل للمشروعات، حيث هناك ثلاثة عوامل تؤثر في تكلفة الوحدة السكنية، أهمها آليات التمويل والمؤثرات الفنية والأنظمة والتشريعات.
لكن خطوة اتجاه الصندوق العقاري إلى شراء محافظ إقراض المواطنين من المصارف من أجل توفير أكبر قدر ممكن من السيولة المالية خطوة إيجابية سبق أن طالبت بتلك الخطوة في مقال سابق قبل نحو أكثر من عامين كجزء من إعادة الهيكلة وتحويل أعمال الصندوق إلى مؤسسة تمويلية، وذلك من خلال تسلم القروض المقرر تقديمها للمواطنين من المصارف بنسب فائدة أقل ووقف جشع البنوك ما يعود بالنفع على المواطنين المقترضين من طالبي السكن الذي يفترض الانتهاء من إعادة هيكلتها في عام 2018.
كذلك من أكبر التحديات التي تواجه وزارة الإسكان صناعة العقار والتطوير العقاري التي ما زالت في بداياتها، وأن هناك حزمة من الأسباب التي وقفت أمام نمو السوق العقارية بسبب أن 90 في المائة من المنتجات السكنية تُعَدُّ بناء فردياً، مما يؤثر في جودة المنتج وارتفاع تكاليفه وغياب الخدمات نسبة إلى تكلفة الوحدة وتوفير الخدمات والجودة في المجمعات السكنية التي تبنيها شركات عالمية والتي تتجه صوب تقنية البناء الحديثة ذات الجودة العالية كونها أقل تكلفة وأسرع في عملية البناء والتي تستخدم تقنية الألواح الشمسية لتوفير الطاقة وتخفيض التكاليف على المستحق بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
كما أن دخول الشركات العالمية عبر إستراتيجية الشراكة تكون شركات القطاع الخاص جزءاً من تلك الشراكة يمكن أن تعالج كذلك مشكلة تضخم العمالة الوافد غير الماهرة والتي يبلغ عدد المشتغلين بقطاع التشييد والبناء في المملكة وفق مسح القوى العاملة للربع الثالث من عام 2016 البالغ أكثر من 2 مليون عاملاً، والتي تسهم في رفع تكاليف البناء، بينما يقدر عدد السعوديين 129 ألف عامل فقط، وهو ما يشجع على دخول الشركات العالمية للقضاء على جميع تلك التحديات بالحصول على تكلفة أقل وجودة أعلى وخدمات مكتملة، لأنها لا تحتاج إلى هذه العمالة غير الماهرة بل تحتاج إلى عدد ضئيل ولكنه يستخدم تقنيات عالية يمكن أن توظف العمال السعوديين بعد تدريبهم على استخدام تلك التقنيات المتقدمة برواتب عالية تشجعهم على الانضمام مثلما نجحت الخطوط السعودية منذ زمن طويل في تشجيع الشباب السعودي على الانضمام للعمل كمضيف، لأنها استخدمت لفظاً محبباً للشباب ولم تستخدم لفظ عامل، كذلك يمكن استخدام مهندس مساعد أو مصطلح مماثل يشجع الشباب على الانضمام.
إلى جانب أن تلك الشركات يمكن أن يشترط عليها أن تشارك المطورين العقاريين المحليين وتوظف نسباً محددة من العمالة السعودية بجانب إقامة مصانع لمحتويات قطاع الإسكان محلياً، لأن توطين قطاع التشييد والبناء يحرك 150 صناعة و240 نشاطاً ليعود ذلك على الناتج المحلي من أجل أن تؤمن طلب شريحة واسعة البالغة 70 في المائة من المواطنين الذين قوتهم الشرائية للوحدات السكنية تراوح بين 250 و750 ألفاً، فيما تتكفل وزارة الإسكان الشريحة المتبقية البالغة 30 في المائة من مستفيدي الضمان الاجتماعي إلى جانب الإسكان الخيري بأسعار رمزية لأصحاب الدخل المحدود.