«في الامتحان يكرم المرء أو يهان»...
هكذا بدأ المعلم حصته قبل نحو خمس عشرة سنة ونيف، حينها كنت طالبًا في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية، تلك السنة هي الأولى التي أخضع فيها برفقة أقراني للامتحان، فالسنوات الثلاث الماضية التقويم فيها (مستمر).
ولكن ذابت أغلب المعلومات التي تحصلتها، إلا تلك الكلمة المرعبة من فيّ ذلكم المعلم، الذي كان يظن أنها تصب في مصلحتنا، كم كانت قاسية تلك الكلمة، وكم هي المخاوف التي كانت تسكن دواخلنا، والرهبة التي أخذت بعضنا بعيداً عن ميدان المذاكرة، صدمة كبيرة لا نجيد التعامل معها، ونحن لانزال حديثي عهد بالامتحانات، لم نتصور أن طلب العلم تتمركز في نهايته الكرامة أو الإهانة، لأننا حسبنا أن كل أمر يتعلق بالعلم والتعلم مطلق الكرامة، بينما كنا نظن أن الامتحان مجرد استذكار ومراجعة للمعلومات التي تلقيناها طيلة العام، حتى وقعت علينا واقعة هذه المقولة القديمة المتجددة مع كل فترة امتحان.
لا تزال تمتلكني رهبة غريبة الأطوار قبيل الامتحانات حتى يومي هذا، بيْد أن ذلك المعلم وغيره ممن تبعوه، ثبتوا في عقولنا تلك المعلومة السائبة! فالعقل اللاواعي يستوعب الفكرة الوحيدة التي تضعها أمامه في لحظة خوف أو ألم أو ترقب.
لم تكن هذه العبارة وقريناتها من عبارات التهديد والوعيد، إلاّ مجرد عقبة، هرع الكثير من الطلاب إلى استخدام الغش كوسيلة مساعدة قبل الاصطدام بها، وكحيلة جوفاء تمكنهم من عبورها، لكونهم فهموا أن المطلوب في نهاية الأمر درجة تؤهلهم إلى النجاح والنجاح فقط، إذ لم يفعلوا غير ذلك، ولكن بطريقة غير التي يهدف لها ساسة التعليم.
فالغلظة والتعقيد، تمهدان الطريق للتحايل والمخالفة، وتذكي في العقل التفكير في الحلول المخرجة من تلك الورطة، وغالبًا ما تأتي الحلول المؤقتة والخاطئة.
يعمد المعلمون إلى عبارات التخويف والترهيب قبيل موعد الامتحانات المربكة للطلاب، وينشطون في ذلك نشاطاً منقطع النظير، ظناً منهم أنها ستجعلهم أكثر حرصًا على المذاكرة، بينما تزيد مساحة القلق في نفوسهم، بدلاً من توجيههم التوجيه الصحيح في التعامل معها، والعمل على ترويض مخاوفهم، وإزالتها تباعًا، فعلى ذلك ستحتفظ عقول الطلاب بالتهديدات لا غير، وسيعمل العقل على إيجاد حل مناسب لها، أو غير مناسب على حد سواء.
إنّ الدراسة التي أجراها ميشال سيغان وتبيّن فيها أنّ طالبًا من اثنين اعترف بأنه قام بالغش في مرحلة ما من مراحله الدراسية، لا تدين الطالب وحده، بل في حقيقة الأمر مشكلة الغش لا تأتي في الغالب عن طريق نية مبيّتة للطالب في بداية مراحله الدراسية، بل يذكيها المعلم بطريقة أو بأخرى، فهو مشارك في هذا (الجرم ) شاء أم أبى، سواء بالتعقيد أو التبسيط وحذف بعض موضوعات المقرر، واختصاره في وريقات معدودات، أو خلافه.
منعطف أخير ..
على المعلم أن يتنبّه لأساليبه وطرائقه، في تحفيز الطلاب على الاهتمام بالمقرر سواء في بداية العام الدراسي أو نهايته، وأن يبتعد عن عبارات التهديد، وتوعُّد الطلاب بوضع أسئلة صعبة ونحوها، كي يحرضهم على المذاكرة، فذلك لا يزيدهم إلاّ بعداً عن المذاكرة، ويقربهم من الغش زلفاً.