د.خالد بن صالح المنيف
قرأت للأديب مارك توين مقولة عجيبة وعبارة تفيض حكمة يصف بها حال الكثير، حيث قال: (عندما يشتهون الرحيل يصنعون بك عيوباً لا تنتهي)!
وهذا سلوك مشاهد عند البعض؛ فعندما تستعصي علاقة زوجية على الاستمرار وينتهي بها الأمر إلى التوقف، تجد بعض الشركاء يمارس سلوكاً مشيناً وتصرفاً قبيحاً، حيث الحديث بالسوء عن الشريك ونشر غسيله وبيان نقاط ضعفه وأخطائه، مصوراً نفسه ملكاً طاهراً وموهماً من حوله أنه ظُلم بتلك العلاقة، والبعض لا يكتفي بنشر الغسيل وبيان ما استتر، بل تجده يكذب ويفتري ويختلق العيوب ظلماً وعدواناً، ويتعامى عن كل الطباع الطيبة والتضحيات الكبيرة مصوباً العقل على الهنات والعيوب يضخمها ويزيد عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله!
عصارة لؤم وخبث طوية ودناءة نفس!
ألم تشفع لحظات الصفاء لهذا الشريك؟
أين الماضي الأثير؟ أين اللحظات الضاحكة؟ هل نسيت فجأة في لحظة فراق؟
ألا يستقيم أن نتعلم أدب الفراق وأخلاق الوداع مها كانت النهاية؟
ألا يستقيم أن ننهي العلاقات بهدوء وأدب وتحضر؟
ألا يستقيم أن نودع بعضاً مع حفظ للود واحترام للعشرة ورعاية للكرامة؟
لماذا لا يمسك كل طرف عن الطعن في صاحبه وعن وتشويه صورته؟
لماذا لا يكف عن بث عيوب شريكه وأسراره، وإخراج خفياته وأخباره؟
فإذا كان البوح ببعض الهنات عن الشريك أو الصديق أو مكان العمل السابق يُعَد تصرفاً لئيماً وفعلاً مستنكراً مستقبحاً، ؛ ما بالكم بمن يفتري ويدلس ويكذب ويزوّر الحقائق !
لماذا يصبح البعض أسيراً للحظة انفعال يفقد معه رشده وأدبه ومروءته، وينسى الذكريات الحلوة والتضحيات الكريمة والتفاصيل الجميلة وتراه يشيح بوجهه عن حسنات صاحبه ليلتقط الهنات والعيوب !
همٌّ تقاسماه وفرح تشاطراه ولقمة تناصفاها ولحاف تشاركاه وضحكات تبادلاها.... هل نُسي كل هذا؟
من موقف واحد يُنسى جميل قُدم ويُنكر معروف أُسدي وتُغمض العين عن أكناف بر مُدّت!
قديماً بثت هدى سلطان في أغنية (إن كنت ناسي أفكرك) شجناً مؤلماً وعتباً مبكياً وتذكيراً موجعاً بأيام الصفاء فقالت!
بدلت ودك ليه .. ليه بالأسيه
وكنت قبلَ بتخاف عليه
ياما كان غرامي بيسهرك
وكان بعادي بيحيرك
وان كنت ناسي .. أفكرك!
عقلاء البشر وإن غادروا مجروحين أو مكسورين ؛ فلا تجدهم يحرقون أرضاً ولا يفسدون درباً ولا يجرحون قلباً، ولا يغدرون بذمة ولا يخونون عهداً ولا تجدهم مهما حدث يفشون سراً؛ فأقبح البشر مسلكاً هو من تنهمر أسرارك على لسانه إذا اختلف معك!
أين البشر من القاعدة العظيمة والقانون الأخلاقي الكبير {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}.
فالأصل هو دوامَ الوفاء والإحسان، والتعهد والرعاية، وستر كل مكروه وسر، وبث كل خير وبِر، سواء كان ذلك في حال بقاء الزوجية، أو انتهائها بطلاق أو موت، فإن حدث بين الزوجين خصام أو كراهية فإنّ خلق حفظ الود الماضي يحث على العفو والمسامحة، وغضِّ الطرف عن استيفاء كامل الحقوق، وعدم نكران الجميل!
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: الحر من راعى وِدَاد لحظة!
وكان محمد بن واسع رحمه الله يقول: لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل من صحبه ولو لساعة، وكان إذا باع شاة يوصي بها المشتري ويقول: قد كان لها معنا صحبة!.
ومن العجائب أنّ حفظ الود القديم يبقى عند بعض الحيوانات، ولا يبقى عند بعض البشر! قال إبراهيم النخعي: «إنّ المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور، والكلب العقور، فكيف عند الكريم الحسيب!».
إنّ الوفاء وحفظ العشرة قريب من كل فؤاد ذكي ومن كل قلب سليم، أدرك أصحابها روح الخير وعاشوها!
وقد عاصرت من يحفظ الود مهما ضاق به الحال وذاق المر وعانى الشدة وتنكر الرفيق، سليم الصدر حافظ على الغيب ما يحفظه في الشهادة، خُلق لو مزج بماء البحر لنفى ملوحته وصفّى كدره !
والحياة إنما تفتح ذراعيها لتضم لصدرها الودود الحاني كل كريم ودود حافظ للود، وإن الكون بأمر الله يهدي جوائزه ويدخر طيباته لأصحاب القيم والمبادئ، فالحياة لا تأبه إلا للبطولات المنطلقة من الخير والتاريخ، لا يصفق إلا للنبلاء!
إنّ حفظِ الود القديم، ورعايةِ العشرة السابقة، وتعاهد العلاقات الحسنة الماضية، خلق للعظماء النبلاء فقط فعليك به!
وابذل لا خائفاً ولا وجلاً ولا متردداً، من قلبك وروحك للآخرين حباً وكرماً وخلقاً وأدباً ووفاءً وصفاءً، وسوف تتبوأ مكانك العالي وترتقي في سلّم السمو الإنساني.
ومضة قلم
عندما تزن أخطاء الآخرين, فاحذر أن تضع يدك في الميزان.