هاني سالم مسهور
جاءت «وثيقة حماس» في سياق مراجعات جماعة الإخوان المسلمين في عدة دول عربية، وقد يكون راشد الغنوشي فتح الباب لكل المنتمين للجماعة للوقوف عند ما حققته الجماعة وما فشلت فيه في تاريخها السياسي الطويل، ولعل التخبطات العنيفة التي خاضتها الجماعة منذ نهاية 2010م وتصادماتها العنيفة أكدت لقيادات الجماعة تحديداً أنه لا يمكن السير ضد رغبة المجتمعات، وأن هذه الجماعة فشلت فشلاً حقيقياً في إدارة السياسة وأدخلت الشرق الأوسط في صراعات دامية بسبب سعيها نحو السلطة السياسية.
حركة حماس التي نشأت في 1987م أعلنت عن فك ارتباطها عن حركة الإخوان المسلمين، وأعلنت قبولها بدولة فلسطينية على حدود 1967م، تحولات لم تكن لتحصل لولا التغيرات السياسية الدولية وعلى رأسها وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية وعزم إدارته مكافحة الإرهاب من جذوره الأساسية والتي ترتبط بها جماعة الإخوان المسلمين ارتباطاً وثيقاً فهذه الجماعة تعتبر المغذي الأساسي لمفهوم الإسلام السياسي على مدى مائة عام وتجربتها السياسية الطويلة زرعت الكثير من القيم والمبادئ الحادة في تحديد الأولويات الحاكمة للسلطة.
اعتبار الولايات الأمريكية الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً وسعي المشرعين الأمريكيين لإقرار القانون بذلك وضع الجماعة على حد السكين فإما مراجعات تنتهي بالتخلي عن السلوك الإرهابي أو مواجهة عواقب الانتماء لهذه الجماعة، قد تكون حماس نأت بنفسها عن الجماعة التي كانت ترى فيها أنها باكورة منجزاتها بعد أن وصلت حماس للسلطة الفلسطينة قبل 11 عاماً ونتيجة سياساتها انقسمت فلسطين إلى غزة والضفة الغربية وتحولت السلطة إلى نصفين في تأكيد للنهج السياسي التي تقوم عليه الحركة.
اعتبرت «وثيقة حماس» منظمة التحرير إطار وطني للفلسطينيين في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه وتطويره، وهذا جزء مهم من ما حملته الوثيقة على اعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي مظلة جامعة للشعب الفلسطيني وهي الممثل الشرعي لذلك الشعب، وهو ما سيعزز من قدرة الفلسطينيين على تجاوز الهوة الواسعة التي تسببت فيها حماس باستئثارها على السلطة السياسية وإقصاء منظمة التحرير.
ولاشك إطلاقاً أن حركة حماس كجزء من جماعة الإخوان المسلمين تتميز بالبراغماتية السياسية وهو الذى أطال عمر الجماعة أكثر من 80 عاماً فهم يستطيعون التغيير فى السياسات والمواقف لما يتناسب مع الظروف السياسية وبما يحافظ على وجودهم في المشهد السياسي، ومع ذلك فإن فشل المشروع السياسي للجماعة في مصر وتونس وليبيا واليمن وضع حركة حماس في موقف البائس الذي سأحاول من خلال وثيقتها أن تمد يدها إلى مصر ودول الخليج العربية للخروج من المأزق الذي تعيش فيه .
مارست حركة حماس سياسة الدفع نحو الهاوية، ودخلت في مقامرات لم تكن محسوبة، ووضعت القضية الفلسطينية فيما يسمى بتيار المقاومة، ودفع أهالي غزة ثمناً باهظاً نتيجة هذه السياسات غير المنضبطة والنتيجة هي أن قيادات الحركة أصبحت في خشية من أن يصنفها الأمريكيون في عداد الإرهابيين فقرروا خلع عباءة الإخوان، الموقف ليس مراجعة بل يجب أن يكون هناك محاسبة فلقد وقعت فلسطين كلها ضحية نتيجة لهذه المقامرة.