أ.د.عثمان بن صالح العامر
يتعرض الكل منا لمئات بل ربما ملايين من عمليات الإقناع التسويقي للأفكار أو المنتجات أو الاستثمار أو السفر أو الترفيه أو... البعض منها مخطط له ومدروس، والآخر يأتي صدفة، أياً كان الأمر فإن من الأهمية بمكان أن تكون لدينا الممانعة الأولية التي بها نستطيع أن نصد الهجمات الإقناعية - التي قد تؤثر فينا، في مفاهيمنا أو اتجاهاتنا أو سلوكنا الحياتي - خاصة الإلكترونية منها التي يبدع مروّجوها في الإعداد والتصميم والإخراج بمؤثرات صوتية ومشاهد احترافية عالية الدقة وعالمية الحمولة، ليكون العائد أكثر والضحايا بلا عد. ولا يعني هذا أن كل حملة إقناعية هي مظنة الخداع وعدم المصداقية، بالعكس قد تكتشف من خلال ما يعرض عليك أن هذه الفكرة أو ذلك المنتج يلبي حاجة أساسا كنت تبحث عن إشباعها والوفاء بمتطلباتها منذ فترة ليست بالقريبة، ولكن ما عنيته ألا ننخدع مباشرة ونندفع مع كل ناعق عن حسن نية وطيبة متناهية كما هو حال شريحة منا في الزمن الفائت.
إن المحكمة اليوم التي يجب أن نوليها الاهتمام كله هي «الضمير الحي» الذي من الضروري أن نزرعه بين حنايا فلذات أكبادنا حتى يتيسر لهم مقاومة حملات الإقناع التي لا تفتأ تغزوهم ليل نهار من أجل اجتثاثهم من بيئتهم التي هم فيها، ليعيشوا في غربة فكرية وهم بيننا بأجسادهم دون عقولهم التي تعشش داخلها أفكار وتتولد مفاهيم جديدة، ويرتكبون سلوكيات ويمارسون تصرفات لا تمت لهذا الوطن بصلة معتقداً وتقاليداً وأخلافاً وأعرافا.
إن الضمير هو بمثابة الرقيب الذي يجعل الشاب حذراً حين تلقي الأفكار وعند تحاوره مع الآخر، يعمل عقله جيداً، يتقن فن التساؤل العلمي الممنهج، ويجيد الكر والفر بالحجة والبرهان العقلي الدامغ، ولذا لابد - في نظري - من جودة القواعد والأساسات التربوية التي تجعل حصانة الشاب والفتاة في داخلهما، إذ لا جدوى اليوم من «الحماية الخارجية» التي كانت تمارس مع الأجيال السابقة، فبناء القناعات وغرسها في نفوس الناشئة لم يعد يتم من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية المعروفة والشائعة للجميع، بل صار عملية سهلة في الظاهر معقدة في الباطن تتم بكل مهارة وإبداع عبر أجهزة ذكية ذات خصوصية تامة وبين يدي كل منا بلا استثناء، ولذا كان لابد في نظري من بناء مهارة المماحكة الفكرية والمحاجة العقلية لدى جيل اليوم، حتى يتسنى له رد الحجة الإقناعية بالبراهين العقلية، إذ إن كل ما نسمعه ونراه من تسويق إقناعي يعتمد كلياً على الأدلة التي تتوجه للذهن، وربما حركت المشاعر القلبية لتفتك بالقناعات الذاتية التي حرصنا على بنائها لدى صغارنا ربما بطريقة بدائية قد تعجز عن مقاومة الأساليب الإقناعية القوية التي تمتلئ بها مواقع السوشيل ميديا نظراً لهشاشتها وعدم تمكنها من التغول في نسيج البناء الفكري والعقدي والسلوكي لهذا الشاب أو تلك الفتاة، فصار الاغتراب الفكري الذي يعيشه عدد من أبنائنا اليوم ونحن آمنون. دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.