د.عبدالله البريدي
يمكن تلخيص هذا المقال في الجملة التالية: ضعيف هو أداء وزارة التعليم في ملف الاستثمار والأوقاف في الجامعات. سأوضح هذا الأمر بشيء من التركيز على أهم الأبعاد الرئيسة، عبر المحاور الآتية.
1 - الجامعات السعودية عملت طيلة العقود السابقة ضمن ما يندرج تحت «الذهنية الحكومية البيروقراطية»، حيث تتحصل على ميزانياتها بالكامل من الحكومة، وتقوم بصرفها وفق بنود مقننة وإجراءات منظمة، في سياق بيروقراطي صرف. جعل هذه الجامعات تدخل أندية الجامعات الوقفية والاستثمارية يحتاج إلى جهود تراكمية كبيرة من قبل الوزارة عبر البرامج التوعوية والتدريبية المكثفة للقيادات الجامعية من أجل تغيير هذه الذهنية. لم تقم الوزارة بشيء يذكر في هذا المجال، ويمثل هذا الأمر أحد جوانب الأدلة على ضعف أداء الوزارة في هذا الملف الاستراتيجي، وبخاصة أن معلومات كثيرة رشحت أن الجامعات ستطالب بتأمين نسب متزايدة في ميزانياتها من مصادر التمويل الذاتي في السنوات القريبة القادمة وفق رؤية المملكة 2030.
2 - الجامعات السعودية المبادرة في هذا المجال واجهت صعوبات وتحديات قانونية كبيرة سواء في مجال الاستثمار أو الأوقاف، وتضررت كثيراً من جراء غياب أو ضعف الدعم من قبل الوزارة في هذا المجال الخطير. إن الجامعات السعودية بحاجة ماسة إلى «سند قيادي كبير»، يتمثل في اضطلاع الوزارة على أكبر المستويات من أجل استصدار التشريعات والقوانين الممكنة للجامعات في مجالات الاستثمار والأوقاف، واستخراج الاستثناءات اللازمة لها؛ إن تطلب الأمر ذلك. إذن، الجامعات السعودية تتنظر من الوزارة أن تقوم بدوري: «الداعم» و»الحامي»، وهي أدوار قيادية أساسية لأي جهة مركزية تروم تحقيق قفزات نوعية في أداء الوحدات التابعة لها.
3 - من القضايا التي تؤشر على ضعف أداء الوزارة في هذا المجال عدم أو ضعف تقديم الدعم الاستشاري المهني للجامعات بقوالب مناسبة، تفي بالاحتياجات؛ سواء كان في مجال التخطيط الاستراتيجي، أو وضع اللوائح والقواعد التنظيمية، أو تأسيس الإدارات المتخصصة وتشغيلها، أو استقطاب الكفاءات وتدريبها، أو تأسيس أذرع استثمارية للجامعات بأفضل طريقة ممكنة، وبأفضل الطرق التي تبعد الجامعات عن المساءلة بل الملاحقة القانونية من أجهزة الرقابة المتكاثرة التي بدأت تخيف الجامعات من التحرك والانطلاق والإبداع بحجة مخالفة بعض الأنظمة والقوانين (مسألة الأجهزة الرقابية تحتاج إلى معالجة في مقال مستقل).
أكتفي بهذا القدر من مظاهر ضعف أداء وزارة التعليم في ملف الاستثمار والأوقاف في الجامعات السعودية، وأنتقل إلى طرح بعض الأفكار العملية التي تعين الوزارة على تحسين أدائها في هذا المجال:
أولاً : من المهم الاعتراف بمثل هذا الضعف وتقبل النقد البناء، حيث يشكل ذلك الخطوة الأولى في تحريك تروس التطوير نحو الأفضل. أليس كذلك؟
ثانياً : ثمة جامعات محلية تقع في مناطق قد لا تكون مشجعة على الاستثمار المباشر في المجالات التقليدية (كالفنادق والمتاجر ونحوها)، مما يوجد حاجة إلى إيجاد نماذج أعمال Business Models متنوعة تتلاءم مع الأوضاع المختلفة في الجامعات السعودية وتستجيب للفرص والتحديات الاستثمارية في سياق المزايا التنافسية في كل منطقة في المملكة.
ثالثاً : الإسراع بتأسيس أو تفعيل الإدارة المتخصصة في مجالي الاستثمار والأوقاف في الوزارة، ودعمها بخبراء ومستشارين ومحللين وتقديم الدعم المالي والفني واللوجتسي، بما يمكّن هذه الإدارة من الانطلاقة القوية في هذا الملف الحيوي.
رابعاً : إقرار عقد فعالية سنوية تجمع الجامعات السعودية مع بعض الجامعات الدولية المتميزة لنقل الخبرات والتجارب المميزة، ويمكن أن تقوم كل جامعة بتنظيم الفعالية في كل سنة وفق خطة استراتيجية شاملة. ويمكن إعداد تقارير عن التجارب الناجحة في الجامعات السعودية والدولية، متضمنة الدروس المستفادة وتوزيعها على الجامعات السعودية من أجل الإفادة منها.
خامساً : أقترح إيجاد إطار استرشادي يعين الجامعات على الانخراط الذكي ضمن منظومة التنمية والاستثمار في المناطق التي تتبع لها، بما يزيد من الدعم المقدم من الحكام الإداريين (أمراء المناطق) ويثمره بطريقة أفضل، ويحدث مزيداً من التعاون والتنسيق والتكامل، على نحو يعود بالنفع على الجامعات ذاتها والمناطق أيضاً.
سادساً : من الضروري الاقتناع بأهمية مسابقة الوقت وعدم تأخير رفع الأداء في هذا الملف الاستراتيجي، فالوقت ليس في صالح الجامعات، وقد تجد بعض الجامعات نفسها مطالبة بتأمين نسب مرتفعة في ميزانياتها وهي لم تشرع بعد في مجال تأسيس إدارة احترافية في مجالي الاستثمار والأوقاف.
طبعاً أنا أدرك أن هذا الملف يحظى بقدر من الاهتمام من قبل الوزارة، وبأن ثمة جهوداً تبذل من قبل جهات معنية في الوزارة، ولكن عامل الوقت عامل حرج جداً، أيها السادة الكرام.