د. فوزية البكر
حينما تفكر أن ابني وابنك وابنتي وابنتك يتعاملون مع مختلف الوسائط الإلكترونية بما لا يقل عن ثلاث ساعات يوميا عبر جوالاتهم وأجهزتهم وألعابهم فيشاهدون المسلسلات العالمية الأكثر انتشارا سواء في الولايات المتحدة أو في الشرق عبر المسلسلات الدرامية المنتجة في اليابان وكوريا الجنوبية كما أنهم يستمعون إلى أحدث الأغنيات التي ينتجها أشهر المغنين في البلدان المذكورة وغيرها بالطبع كما أنهم يشاهدون أحدث الفيديوهات على اليوتيوب والتي قد تكون مقاطع أو أغاني أو أحاديث عن المشاهير أو حياتهم الخ حيث يتم إنتاج أكثر من ملايين المقاطع كل يوم ويشاهد اليوتيوب بلايين من الناس أو ما يقارب ثلث مستخدمي الإنترنت في العالم وهو ما يعني ببساطة إن كمية المعلومات والنماذج الاجتماعية والثقافية والفنية التي يتعرضون لها يوميا تختلف كلية عن ما تعرض له جيلنا الذي نما في ظل نماذج المعرفة وطرق التفكير والقدوة المقدمة من العائلة والمدرسة والمسجد لذا وجب أن نتعامل بواقعية مفرطة مع جملة من الأسئلة (الثقافية والاجتماعية والدينية) التي تحتمها مرحلتنا الحالية مثل :
ما التغير المعرفي والقيمي والثقافي الذي يتعرض له أطفالنا كل يوم بمعدل ثلاث ساعات؟ كيف ستغير مشاهدات العالم الافتراضي قيم أطفالنا ومراهقينا وشبابنا وما تأثير ذلك على نماذج القدوة الخاصة بهم؟ كيف يقيمون ما حولهم من أفراد وعلاقات ومؤسسات؟ ما هي الأمور التي يرون أن لها قيمة معنوية أو مادية حقيقية وتعني لهم شيئا أي أنهم يتمثلونها ليس حينما يكونون معنا فقط بل لأنهم يؤمنون بها سواء وجدنا معهم أم لم نوجد؟ وكيف يفكر هؤلاء المراهقون في العالم وفي علاقاتهم ومن حولهم؟ ماذا يفعلون داخل أقبية الوسائط الاجتماعية إيجابا وسلبا وكيف ستخلق هذه الأنماط المعرفية نماذج القدوة التي سيتبعونها في حياتهم حتى بدون وعي منهم؟
دعونا نستخدم بعض النظريات الاجتماعية للبحث عن تفسير ما يساعدنا في الفهم (وهي مأخوذة من كتاب أستاذ علم الاجتماع د الغريب: 2016) حيث تقول نظرية مجتمع المعلومات التي قال بها بيل إن أدوار الأفراد تتغير بفعل عملية التغير الاجتماعي الذي يمر به المجتمع بفعل ثورة تقنيات المعلومات والاتصالات مما يؤدي (ليس بالضرورة تدريجيا (رغم أنها فعلا تحدث تحت السطح بشكل تدريجي) إلا أنها قد تكون مفاجئة لبعض الهياكل الاجتماعية التقليدية مثل القادة الدينيون والسياسيون مما يؤدي إلى تغيرات هيكلية في المؤسسات المختلفة (بما فيها الأسرة والمدرسة الخ) بحيث تظهر علاقات تنافسية بين البناء الاجتماعي الآخذ في التغير وبين الكيانات السياسية والدينية والثقافية السائدة وهو ما يؤدي إلى ظهور أنماط جديدة في حياة أفراد المجتمع تتعلق بالثقافة المجتمعية من مثل أساليب اللبس والشعر والمكياج والأكل والاحتفالات ويتبعها بالضرورة نماذج القدوة التي تمثلها النماذج المطروحة في فضاء الإنترنت ما هي؟ وماذا تمثل؟ وكيف ستكون (متفقة؟) أو مختلفة وهو الأرجح مع السائد ثقافيا واجتماعيا؟
من المهم طرح هذه الأسئلة (العامة) و(الخاصة) في أن واحد فهي عامة لأنها تمثل أنماط سلوك وتصرفات ولبس ومأكل ومشرب كما يفعل كل الجيل لكنها أيضا خاصة لأنها تعني نماذج العلاقات الخفية وأنماط السلوك العاطفي والجنسي المنتشر بين الشباب والشابات شئنا أم أبينا؟
الآن؟ هل نضع رؤوسنا في الرمال ونصرخ: لا لا نريد، لا نوافق؟
من يقرر اليوم؟ نحن؟ أم هم : تحديدا مراهقو ومراهقات وشباب وشابات اليوم؟ أم أن القيادات التقليدية الثقافية والدينية والسياسية لا زالت هي من تطرح النموذج؟
لعلنا نفكر طويلا وبهدوء في ما نرى أمامنا من تغيرات حتى نتمكن من اختراق حجب المغافلات الاجتماعية والحيوات البديلة والسرية التي يعيشها شبابنا.
دعونا نسألهم بصدق أين تجدون أنفسكم؟ هل لا زلتم معنا أم أن هناك نماذج بديلة تستهويكم وعلينا معرفتها ودراستها؟ أليس الأفضل أن نحاول الآن فهم وتفكيك أطر هذه النماذج الاجتماعية والثقافية بدل أن تفاجئنا نماط السلوك والمأكل والمشرب والمظهر الذي قد يوجعنا في الصميم؟ مساء الاختلاف.