إنّ سيرة المُلك السعودي ومسيرته في العصر الحديث والمعاصر، تدخل اليوم مساراً جديداً في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، في إيحائه الملتزم بنقل مسؤوليات الحكم ونقله إلى أبناء الجيل الثالث من أرومة البيت السعودي الحاكم, وهذا مبعثه إلى ارتقاء ثبات الحكم وبناء قاعدته في المملكة العربية السعودية. والتي تكمن وراءها إرادة وعزم ملك واعٍ تجاه دينه ثم بلاده ووطنه ومواطنيه، وتغليب مصلحتها العليا فوق كل الاعتبارات والتكهنات، ليضع أساس نهج بدأه والده الملك المؤسِّس عبد العزيز -طيَّب الله ثراه- الذي كان حريصاً على تعليم أبنائه وصقل مواهبهم وتعليمهم فنون الإدارة والسياسة والحكم، وأساليب التعامل بنجاح مع الناس في المواقع المختلفة, مهما تباينت قدراتهم وصفاتهم، واستعداداتهم وهم في سن غضة صغيره، فأثر ذلك في سلوكهم, وهذا ما دفع بالملك عبد العزيز إلى إسناد أدوارا قياديه، ومناصب في الدولة وهم في سن مبكرة، بل دفعهم إلى السفر في رحلات خارجية إلى مختلف عواصم العالم والالتقاء بالقادة والزعماء أرباب السياسة العالمية، فيسّر لهم ما لم يتيسر لغيرهم مما أكسبهم خبرات كبيرة ومعارف جديدة، وهيأت لهم نضجاً مبكراً في علم السياسة والإدارة لتقودهم إلى أعلى المناصب القيادية في الدولة وعلى رأسها المُلك وولاية العهد ومنصب ولي ولي العهد وإمارات المناطق وتولي الوزارات، ففي عام 1352هـ أسند إلى نجله الأمير سعود بن عبد العزيز ولاية العهد وتولى القيادة العليا للقوات المسلحة وقبلها تولى إدارة شؤون المنطقة الوسطى . أما نجله الأمير فيصل بن عبد العزيز فقد قام بـ31 رحلة رسمية خارج المملكة من عام 1926م إلى 1943م ثم اختاره والده ليكون نائباً له في الحجاز ثم وزيراً للخارجية، كما عيّن نجله الأمير منصور بن عبد العزيز وزيراً للدفاع، كما عيّن الأمير خالد بن عبد العزيز مستشاراً لأخيه الأمير فيصل عندما كان نائباً في الحجاز. فاستنّ الملك سلمان بن عبد العزيز هذا النهج بوعي حصيف وفكر نابه لدوره ومنطلقات مسؤولياته أمام الأمة السعودية، ليضع قاعدة صلبة ومتينة برسوخ قاعدة البيت السعودي الحاكم واستقرار الملك والدولة، وتقديم الأكفاء من ذوي الكفاءة والتأهيل والأصلح للمنصب، لأنه يدرك إدراكاً تاماً لكل ما يصلح بناء دولته، وهو المتخرج من مدرسة والده الملك المؤسس الذي أسس هذا التوجه وذلك النهج منذ قيام الدولة السعودية الحديثة، وهو بهذا يضع كمن أدلى بقسمه وتم ترشيحه للمنصب، أن يضع مخافة الله بين عينيه وأن يعمل جاهداً للعمل لكل ما فيه مصلحة دولته، وأن يقدم لمواطنيه غاية العطاء، ويكون مخلصاً لدينه ثم مليكه ووطنه كما أقسم على ذلك. وبذلك يسجل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، بأنه أول ملك يقدم الجيل الثالث من أبناء الأسرة المالكة لقاعدة الحكم والمسؤولية، والتي بدأها باختيار الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولياً لولي العهد، لتدخل المملكة العربية السعودية في طور جديد من التطبيق العملي لمسار قاعدة الحكم الملكي السعودي، في التهيئة المبكرة المطمأنة لرسوخ المُلك السعودي الجازم والحازم من التنبؤات المستقبلية، وبذلك يقطع ملك الحزم والعزم الطريق على المرجفين الأعداء الذين يرجمون بالغيب بالإشاعات المدحضة والتنبؤات الكاذبة؟ لحكمة وحنكة قالها سلمان بن عبد العزيز: بأنّ بلادنا ولله الحمد مستقرة وآمنة ومزدهرة . فلله الحمد من قبل ومن بعد، وما تلك القرارات الملكية الأخيرة إلاّ مرحلة من مراحل طور التأسيس والبناء الحديث والمعاصر للمملكة العربية السعودية الحديثة، في زمن الرؤية والتحول الذي سيحقق الأمن والاستقرار والرفاه للوطن والمواطن على حد سواء.