«الجزيرة» - محمد السلامة:
أبدت وكالة إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية تفاؤلها اتجاه قطاع التأمين في المملكة، متوقعة أن يحقق نمواً إجمالياً لأقساط التأمين تبلغ نسبته 5 % في العام 2017 مع عودة قوية لهذا النمو في العام 2018 لتتراوح ما بين 10 إلى 15 %، لافتة إلى أن سوق التأمين السعودية توفر اليوم مجموعة كاملة من المنتجات والخدمات الأصلية التي تغطي المخاطر لكل من الأفراد والشركات.
كما رأت الوكالة أن معظم شركات التأمين في المملكة مربحة على صعيدي أرباح الاكتتاب الفنية -مدعومة بالتسعيرة الاكتوارية- والاستثمار، فيما اعتبرت التأمين الإلزامي الأساسي على السيارات ضد المسؤولية مكلف جداً حالياً في المملكة، مقارنةً بتكلفة الحماية المماثلة في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
وقال لـ«الجزيرة» ديفد أنتوني مدير «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» والتي تتخذ من لندن مقرا لها، إن أداء قطاع التأمين في المملكة جيد مقارنةً بالأسواق الأخرى في المنطقة، وبالنظر إلى قطاعات التأمين الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي نرى بأن هناك عدد كبير جداً من شركات التأمين الصغيرة والمتنافسة، والتي تفتقد للتمايز ولوفورات حجم كافية في أسواق محلية ذات تنافسية عالية مكتظة بالشركات عموماً. وأشار إلى أنه بالرغم من أن قطاع التأمين في المملكة لا يخلو من التحديات، إلا أن معظم شركات التأمين مربحة على صعيدي أرباح الاكتتاب الفنية – مدعومة بالتسعيرة الاكتوارية – والاستثمار، بدعم من التحسن الكبير في إيرادات الودائع الفنية لدى البنوك. وبحسب تقرير السوق للعام 2016 الذي نشرته مؤخراً مؤسسة النقد العربي السعودي، المنظمة الرئيسية لقطاع التأمين في المملكة، فقد استفاد القطاع ككل من عائد على حقوق المساهمين بنسبة 14.5%، وهذا جدير بالثناء، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن القاسم المشترك في المعادلة – حقوق المساهمين – حقق نمواً كبيراً أيضاً من خلال الأرباح المحتجزة وطرح حقوق الأولوية. وبالأرقام المطلقة، يشير تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي نفسه إلى أن صافي نتائج القطاع للعام 2016 بلغت 2.1 مليار ريـال، بعد أن سجلت في 0.8 مليار ريـال فقط في العام 2015. مع ذلك، هناك اختلاف ملحوظ بين سوق التأمين السعودية وأسواق التأمين الأخرى، والذي يتمثل في أن الإيرادات والأرباح لدى العديد من شركات التأمين في الأسواق المجاورة تأتي من الأعمال العابرة للحدود، بينما لا تزاول شركات التأمين القائمة في المملكة أي أنشطة اكتتاب خارج حدود المملكة.
وعن أسعار التأمين على السيارات، اعتبر ديفد أنتوني التأمين الإلزامي الأساسي على السيارات ضد المسؤولية مكلف جداً حالياً في المملكة مقارنةً بتكلفة الحماية المماثلة في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مرجعا ذلك له عدة أسباب، منها أن نحو 55 % من إجمالي عدد المركبات المستخدمة في المملكة، البالغ عددها نحو 12,000 مركبة، غير مغطاة بتأمين، بينما تبلغ نسبة المركبات غير المغطاة بتأمين في الدول المجاورة عموماً نحو 10 % من عدد المركبات المستخدمة، ونتيجةً لذلك فإن 45 % من السائقين الذي يملكون بوليصة تأمين مناسبة في المملكة لا يسددون فعلياً المبالغ التي تترتب على الحوادث التي يتسببون بها فقط، بل يسددون أيضاً المبالغ المترتبة على الحوادث التي تتسبب بها النسبة الـ55 % المتبقية من السائقين الآخرين الذي لا يملكون بوليصة تأمين.
كما أن من أسباب ارتفاع تكلفة التأمين على السيارات، عدد الحوادث المرورية في المملكة المرتفع جداً مقارنةً بالنسب العالمية، ولأن تعريفات التأمين على السيارات في المملكة تستند بشكل صارم على «التسعيرة الاكتوارية»، فهذا يعني بأن التعريفات الحالية للتأمين على السيارات يتم حسابها بطريقة رياضية وهي لا تعكس فقط وتيرة وشدة الحوادث المرورية في المملكة، بل تعكس أيضاً التكاليف المرتفعة التي تترتب على شركات التأمين القائمة في المملكة فيما يتعلق بنفقات التوظيف، التنظيم، والضرائب وغيرها من النفقات التشغيلية التي لا يمكن تجنبها، ومع ذلك من المأمول أن تساعد الخصومات التي تم مؤخراً البدء بمنحها للسائقين المميزين والسائقين الذين لم يتقدموا بأي مطالبة في التخفيف من تكلفة التأمين على السيارات.
وعن مستقبل قطاع التأمين في المملكة في ظل الانخفاض الحالي في إجمالي الأرباح والخسائر المتراكمة على الشركات، ذكر مدير «إس آند بي جلوبال للتص نيفات الائتمانية» بأن القول بأن العديد من شركات التأمين هي خاسرة غير صحيح، حيث نجد في العام 2016 سجلت 5 شركات فقط من أصل 35 شركة تأمين وإعادة تأمين قائمة في المملكة صافي دخل سلبي، مقابل 14 شركة في العام 2015، مشيرا إلى أن تكبد بعض تلك الشركات لخسائر يعود لأسباب محددة جداً – كونها على سبيل المثال - لا تزال في مرحلة ناشئة أو بعضها يرتبط بتوقيت تسديد مستحقات كبيرة، أو أن جميع الخسائر ارتبطت بعقد فردي تم تسعيره بشكل سيء، وبعبارة أخرى، كانت هذه الخسائر ناجمة عن صعوبات خاصة بكل شركة، ولا تعكس بالتحديد صعوبات تواجه السوق بشكل عام.
وتوقع ديفد أنتوني نمواً إجمالياً متواضعاً لأقساط التأمين ما بين 0 % - 5 % في العام 2017 مع عودة قوية لهذا النمو في العام 2018 لتتراوح ما بين 10 % - 15 %، مرجعا السبب الكامن وراء توقعات العام 2017 إلى مطالبة شركات التأمين مؤخراً بتقديم خصومات على أقساط التأمين على السيارات لحاملي البوليصات المميزين والذين لم تسجل أي مطالبة على بوليصاتهم، مع ذلك، قد يعوض هذا التراجع في تسعيرة التأمين على السيارات من حيث الحجم بشكل جيد نمو أقساط التأمين الطبي مع بدء سريان مفعول سياسات التأمين الطبي الجماعي الجديدة «الموحدة» لتحل محل التغطيات الفردية السابقة «منخفضة التكلفة»، وكون أن المواطنين السعوديين العاملين في القطاع الخاص الذين لا يزالون بدون تغطية تأمين مشمولين في عقود التأمين الطبي الجماعي للجهات التي يعملون فيها. أما بالنسبة للعام 2018، يرى أن جزءاً كبيراً من النمو سيأتي من العامل الذي أكرره دائماً – لاسيما حملات المرور المتوقعة على السائقين غير الحاصلين على بوليصة تأمين، وتحديداً من خلال تطبيق تسجيل المركبات سنوياً بدلاً من تسجيلها كل ثلاث سنوات – مع تقديم وثائق تثبت امتلاك بوليصة تأمين صالحة لمدة عام كامل عند كل تسجيل. وتابع: على العموم، فإن متطلبات التأمين الإلزامي، والتركيبة السكانية بطبيعة الحال، والإنفاق على البنية التحتية، واعتبارات الناتج المحلي الإجمالي تدعم قطاع التأمين في المملكة إلى حد كبير.
وعن المساهمة التي يمكن لقطاع التأمين أن يقدمها للمساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030، قال مدير «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» إن هناك طرق عدة يمكن لقطاع التأمين وإعادة التأمين من خلالها المساهمة في نجاح رؤية 2030. مبينا أنه بالنسبة للركيزة الأولى للرؤية المتمثلة بالإرث الإسلامي والعربي الذي تتمتع به المملكة، بإمكان قطاع التأمين تقديم نموذجه للتأمين التعاوني الإسلامي، وبأن يساعد في ابتكار وطرح منتجات للإدخار والحماية للعائلات تكون متوافقة مع أحكام الشريعة للسكان المحليين الذين لم يدخروا أموالاً كافية لتلبية احتياجاتهم طويلة الأجل لأغراض الرعاية الصحية، والتقاعد، والشيخوخة. أما الركيزة الثانية والتي تهدف بأن تصبح المملكة قوة استثمارية عالمية، نجد أن شركات التأمين من الشركات المتخصصة في مجال الاستثمار ويمكنها في هذا الصدد توظيف كل من السيولة والخبرة لديها في سبيل تحقيق هذا الهدف. وتابع: إن شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية والادخار في العديد من أسواق رأس المال في العالم هي التي توفر عمقاً للطلب على الأسهم، والسندات، والفئات الأخرى من الأصول الاستثمارية، لذلك، لا يجب أن ينظر إلى شركات التأمين في المملكة كفرص استثمارية، بل يجب النظر إليها كشركات مستثمرة بحد ذاتها مما يساعد في زيادة الطلب في أسواق رأس المال وتزوديها بالسيولة في المملكة، والأسواق الإقليمية، في الوقت ال مناسب.
أما بخصوص الركيزة الثالثة للرؤية والمتمثلة بالموقع الجغرافي المميز للمملكة، فإن شركات التأمين القائمة في المملكة تستطيع دفع عجلة العولمة من خلال توفير التأمين للحجاج القادمين لأداء مناسك الحج والعمرة، بالضبط كالتأمين الذي توفره تأشيرة «شنغن» للسعوديين القادمين إلى أوروبا. كما يمكنها تقديم التأمين البحري، التأمين على الطيران، والتأمين على النقل المطلوب لتسهيل التبادلات التجارية الإقليمية والدولية. كذلك يمكن لشركات التأمين في نفس الوقت، على مستوى «فني» أكثر، المساعدة في تحقيق العديد من الأهداف الصغيرة الأخرى لرؤية المملكة 2030، من خلال إمكانيتها توفير مزيد من فرص التوظيف خصوصا للنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير تدريب بمستوى احترافي أكبر. كما يمكنها من خلال التأمين الطبي المناسب تمويل المزيد من الرعاية الصحية الذي تتحمل أعباءه الحكومة حالياً.