عبده الأسمري
عندما نتناول أي قضية من القضايا فإنه لا بد من وجود مسببات ودوافع وحيثيات تقف خلفها قد تكون واضحة جلية وأخرى تستدعي البحث والتحليل ونوع تتطلب التعمق وبتر جذور الأسباب.
قامت الجهات الرقابية مؤخراً بأدوار أراها جيدة قياسا بجمود وتجاهل طال ملفات عدة في سنوات مضت كان الفساد عنوانها والمصالح الشخصية تفاصيلها.. ولكن ظلت المشكلة تكمن في ضبط القضية ومعاقبة المتورط عقابا قد يكون على استحياء أحيانا دون الكشف عن هويته وتفاصيل تورطه.. ما يجعل الظاهرة تعود من جديد من جهة وتتوالد منها قضايا اصغر حجما لتتوارى خلف القضايا الكبيرة من جهة أخرى.
لدينا عاملان أزليان في أي فساد يتعلق بالمناصب سواء كان استغلال النفوذ أو رشاوى أو سرقة المال العام أو ما يتعلق بالمخالفات الإدارية والمالية وهما الشلة والقبيلة.. فلدى معظم المسؤولين لدينا شلة خاصة وهم من يضحكون لضحكته ويغضبون لغضبة ويسيرون وراءه وجانبه ومنهم من يطبل بالكلام المعسول وآخر قد يقبل الجبين إذا كان المسؤول من أصحاب المناصب المعتقين إمعانا في تسيير معاملة له أو مصلحة شخصية ونوع أخير يوصل الأبناء للمدارس وآخرين يوصلون حتى الأغراض التموينية للمنزل في نهاية الأسبوع وهنالك من يحجز التذاكر ويستأجر الاستراحات أثناء المناسبات ومنهم شلة البلوت والسفريات والجلسات والولائم ومنهم أمناء السر وزبانية الخطط وصناع الفساد كل هؤلاء أصحاب الحظوة في تقسيم كعكة الفساد وإذا تقاعد المسؤول الفاسد فإن هنالك من يقوم بالمهمة بعده بتزكيته الخاصة ضمانا كي تسير القافلة فالفساد لدينا بالوراثة في بعض المناصب.. إما طرف المعادلة الآخر فهو القبيلة فإذا جاء رجل من أقصى الأماكن يسعى عن موقعا له في وظيفة ما فإن هنالك من يضع القبيلة شرطا في السيرة الذاتية لتتعدى المؤهلات وتمحي الخبرات وتؤجل الدورات.. والأمر يسري على الترقيات وحتى الانتدابات والدورات.. ولا تزال أوراق أو رسائل الشفاعة «المقيتة» (أنا من طرف فلان) نظاما ساري المفعول للتوظيف والترقية. فطغت القبيلة كثيرا على المنطق في وقت مضى كان هنالك وظائف وإن صح التعبير «مناصب» تشتهر بها بعض القبائل والأقاليم وبعض «الأسر» ورغم تغير الحال قليلا إلا أنه لا يزال بعض رؤوس هذه المناصب يروجون للقبيلة وللمصالح الذاتية لتطغى على كفاءة المنطق وقوة الموضوعية في مشهد بائس عرقل التنمية الإنسانية قبل الوطنية لدينا ورفع من مستوى العنصرية. قبل أيام رأينا ملامح من الفساد وظهرت إلى السطح أسماء ومؤشرات وما خفي كان أعظم وما تخبأ طيلة السنوات الماضية ينبئ عن جذور فساد خفية ضاربة في العمق والتشبث.