رقية سليمان الهويريني
منذ الأزل ثمة أمراض تنخر في المجتمعات الصغيرة والكبيرة والمتخلفة والمتقدمة والمنفتحة والمغلقة، وبعضها متولد من بعض، وغيرها ينتج منه أمراض أخرى؛ فالحسد متولد من الغيرة، والغرور ينتج منه الكِبْر.
والحسد مرض القلوب وفساد لها حين يتمنى شخص زوال النعمة عن الآخرين، ويجد صعوبة في الرضا والتسليم بقسمة الله في الرزق بين العباد. وغالبًا الحاسد يستنقص الناس، ولا يرى أحقيتهم في النعمة التي منحها الله لهم، حتى أن بعض مرضى الحسد يستكثرون ابتسامة على شفة معدم، ويرون أحقيتهم بها!
وهو أول ذنب عُصي به الله؛ إذ رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام! لأنه رأى أحقيته هو بالسجود. كما قتل بسببه قابيل أخاه هابيل. وبالرغم من أنه شعور عاطفي إلا أنه يتحول إلى ألم بدني؛ فيصاب الحاسد بالأمراض؛ لأنه لا يستطيع تقبُّل فكرة نجاح الآخر! وحين تزداد حدة الحسد يبدو الحاسد مستعدًا لفعل أي شيء لتقليل شعوره بالألم النفسي والجسدي!
ويؤدي الحسد للعداوة بين الناس، وحتى بين المنظمات والدول.. ويحدث بسبب الطمع في المزايا والممتلكات، والرغبة في الاستحواذ عليها. فالحاسد غير قانع بما منحه الله؛ فتراه متلهفًا إلى ما لدى الناس، ويرفض الاعتراف بالحقيقة؛ لأن في ذلك اعترافًا نفسيًّا بأنه في موقع أدنى! ويقع الحسد في قلب المرء حين يشعر بوجود فجوة بينه وبين شخص آخر.. وبدلاً من السعي لتقليصها، والمنافسة الشريفة للوصول لهدفه، ينحرف الفكر بالاتجاه للشخص ذاته، ويكون مستهدفًا، ويبدأ الحاسد بنشر الشائعات حول المحسود لتدميره، وهذا أسوأ أشكال الحسد! ويبدو الحاسد عدوانيًّا متضجرًا غير مرتاح البال؛ فيبدأ بالإيذاء وإلحاق الضرر بالمحسود، أو تقليل مستواه؛ ليوهم الحاسد نفسه بالمساواة.
وفي الغالب الحسد أحد أشكال ميكانزيم الدفاع عن النفس، ينتج من عُقَد النقص، بالرغم من أن الحاسد لديه طاقة هائلة ونشاط ذهني وديناميكي كبير، لكنه لا يستثمرها إيجابيًّا؛ فتتحول لطاقة سلبية مدمرة، تتسبب للحاسد في أمراض جسدية ونفسية!