أحمد المغلوث:
قبل أسابيع كنت أحد ركاب القطار، وكان مقعدي خلف فتاتين كل واحدة منهما تحمل أكثر من هاتف ذكي. وظاهرة وجود أكثر من هاتف لدى البعض منا بات ظاهرة معاشة ومشاهدة في كل مكان ويشترك في ذلك البعض من الكبار وحتى الفتيان والفتيات.
ولكن وما أصعب ولكن هنا، لقد استمعت وأمري إلى الله طوال الرحلة من الرياض إلى الهفوف لشتى الموضوعات والأحاديث. التافهة. معلومات كثيرة، استمعت إليها دون رغبة مني وذلك عائد لما كشفته الفتاتان من أسرار عبر هواتفهما. والغريب أنهما كانتا تتحدثان في مكان شبه عام، بل في وسيلة مواصلات عامة يجب على من يسافر فيها أن يتحلى بصفات سلوكية تتسم بالمحافظة والأدب وعدم الخروج عن الأعراف والقيم العامة المعروفة للجميع.. وجميعنا بات يعلم أن الحديث في (الهواتف المحمولة) بات أشبه ما يكون بإذاعة عامة خصوصا في الأماكن العامة! والعجيب أن الحديث بهذه الطريقة يشترك فيه العديد من الناس رجال ونساء.. دون أن يضعوا في اعتباراتهم المكان الذي يتركون نفوسهم فيه على راحتها وسجيتها متجاوزين حدود المنطق والحديث بدون خجل وإلى جوارهم آخرين.. وهم يعلمون حق العلم أن الذين يجلسون إلى جوارهم والمحيطين بهم يسمعونهم بامتعاض! لقد سمعت مكرهاً أحاديث الفتاتين، بل كان راكب آخر ليس ببعيد كان طوال الرحلة يتحدث في هاتفه بصورة ممجوجة ومزعجة دون خجل ولا اهتمام بزملاء الرحلة.. هؤلاء الزملاء الذين باتوا يستمعون لأحاديثهم دون إرادة. بل كان لسان حال بعضهم يكاد يقول لهذا الراكب وهاتين الفتاتين عيب ما تقومون به. فعربة القطار ليست مجلسا خاصا في بيوتكم أو داخل غرف نومكم. ويجري القطار سريعا في وجهته وتجري معه أحاديثهم وهي تتراكض لتكشف المزيد المزيد من الأمور والأسرار. دون تفكيرهم في تأثير ذلك على بقية الركاب.. ورغم أني حاولت أن أشغل نفسي بتصفح الصحيفة التي حملتها معي من صالة الدرجة الأولى. لكني والحق يقال لم أستطع التركيز في القراءة. من حدة إزعاج أحاديث الثلاثة الركاب. فحديثهم المسموع سواء أكان عبر الهاتف أو حديثهم مع بعض خاصة الفتاتين. ويبدو أن لذة الحديث والاستمرار فيه يجعل من يتحدث لا يعطي اهتماما بالآخرين، والمشكلة أن البعض لا يعلم بأن هناك خطا فاصلا ما بين الحديث في الهاتف في بيته أو مكتبه أو في مكان خاص وبين ترك العنان للسانه ليقول ويتحدث فيما هب ودب، بل يتجاوز ذلك إلى الخوض في موضوعات خاصة وحميمة عيب أن يسمعها الغير، ومن هنا نكتشف أن هذه الظاهرة من الأحاديث الهاتفية الصاخبة والمزعجة للغير صارت جزءا مشتركا من الضوضاء خلال الجلوس في القطارات أو حتى الطائرات، وكان الله في عون من يركب الحافلات فحدث ولا حرج. أو حتى في قاعات وصالت الانتظار في المستشفيات وبعض الإدارات والعديد من الأماكن العامة الأخرى.. وفي تصوري أن مشاهدة مثل هذه الحالات والنماذج التي لا تهتم بالآداب العامة وتقدير ما تسببه هذه الظاهرة من إزعاج هي مشاهد باتت عادية وتشاهد في كل مكان في الشارع والأسواق والغريب أن بعضهم يسير وهو يتحدث بصوت مرتفع. وكأنه يتحدث داخل بيته.. وأخيراً متى تختفي هذه الظاهرة غير المقبولة؟!