عبده الأسمري
في طلّته «سمو» وفي إطلالته حكمة.. رفيق الملوك.. صديق الأمراء.. حكيم الأُسرة المالكة.. ابن ملك.. سليل قيادة.. منبع نماء وانتماء..
إنه الوزير والقائد ورئيس هيئة البيعة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-..
بوجه ملكي تعلوه سمات الحنكة وتملؤه صفات الهيبة وعينان واسعتان تشع ببعد النظر والدراية، وملامح أميرية تتشابه مع والده وتتقاطع مع إخوانه، وصوت أميري جهوري تطغى عليه عبارات القيادة ومفردات الريادة، يشتد حين العزم ويستوي أمام القرار ويتساوى أمام طالبي العون. وكاريزما منفردة تمتلئ بعناوين المسؤولية المبكرة والمناصب المركبة، حضر الأمير مشعل رمزاً من رموز الأسرة المالكة، ومن جيل الكبار أصحاب الاعتبار والاقتدار في الرأي والمشورة، مسجلاً في ذاكرة الوطن شخصية أصيلة نبيلة رسخت في القلوب وتوطدت في العقول.
كان الأمير مشعل طفلاً يراقب أسراب الطائرات من نافذة قصر والده بالرياض، ويتابع سرايا العسكريين وهي تستعرض في ميادين الجيش، فنمت في ذاكرته محبة القيادة العسكرية والتدريب، فلمس والده المؤسِّس الملك عبد العزيز - رحمه الله - نبوغاً باكراً لديه وعشقا مبكراً، راسماً في مخيلته نجاح ابنه في هذا الجانب، فقرر تدريبه على الحرب في عام 1353هـ وكان بعمر 8 أعوام. وفي عام 1355هـ قرر والده أن يوكل لابنه خالد تعليمه فنون الحرب وأنهى تعلمه في الحروب في عام 1357هـ فأكمل تعليمه وانتهى منه في عام 1365هـ.
كان الأمير مشعل شغوفاً بالتدريب عطوفاً بإخوته شغفاً بالمعرفة مولعاً بعلوم التاريخ والسياسة، فكان محارباً متدرباً نهاراً وقارئاً نهماً ليلاً، مشكلاً مشروع أمير بصفات مقاتل محترف وقيادي بسمات سياسي محنك.
بعد تدريبه وكفاءته التي اشتهر بها في مجال الجيش والقوات المسلحة، عيّنه والده في عام 1364هـ نائبًا لوزير الدفاع، وبقي في ذلك المنصب حتى وفاة شقيقه وزير الدفاع الأمير منصور عام 1370هـ فعيّنه والده وزيرًا للدفاع خلفًا له. ثم تعين بعدها نائبًا لوزير المعارف آنذاك الملك فهد، وفي عام 1382هـ أعيد تعيينه وزيرًا للدفاع والطيران وبقي فيها لفترة قصيرة. ثم عيِّن أميرًا لمنطقة مكة المكرمة. وفي عام 1389هـ تم تعيينه رئيسًا لهيئة السياحة السعودية، وبقي فيها حتى عام 1414هـ، ثم عيّنه الملك فهد مستشاراً له حتى عام 1426هـ، ثم ترجل الأمير مشعل بعد سيرة عطاء حافلة بالإنجازات، ليتفرغ لحياته الشخصية ولأعماله التجارية الخاصة، حيث يمتلك عدة مشاريع بالمملكة أشهرها مجموعة الشعلة القابضة، ويرأس مجلس إدارة بايونييرز القابضة للاستثمارات المالية، وفي 10 ديسمبر 2007 عيّنه الملك عبد الله رئيسًا لهيئة البيعة التي ظل بها حتى رحيله الأربعاء الماضي، بعد صراع مع المرض الذي كان يجابهه بالحضور في المناسبات الوطنية مشاركاً لإخوته في المحافل، شريكاً في صناعة المجد الوطني متشاركاً مع إخوانه وأبنائه المواطنين، حاضرا في مشاهد الوطن ومتواجداً في قلوب الجميع أخاً وقائداً وموجهاً ورمزاً.
في حضرة المجد وفي حضور الواقع سجل الأمير مشعل اسمه ظاهراً حين تحضر الحكمة وتتجلى مشاهد الكفاح، وباطناً عندما يستشهد البسطاء وأصحاب الحاجات والمرضى الذين كان يدعمهم سراً ويكفكف دموعهم بخفية، ويلبي حاجاتهم متوارياً خلف «أعمال خيرية « موشحه بالسخاء والعطاء..
في كل محفل تنموي أو إنساني، كان الأمير مشعل يغادر تاركاً خلفه الضياء مشتعلاً متوهجاً بقرار تاريخي أو لفتة إنسانية أو حنان أبوي أو مكرمة حانية.
رحل الأمير مشعل وقد قضى أكثر من سبعة عقود يعمل بصمت ويشير بكفاءة ويدير باحتراف، ويسير في طريق فرشه بالصمود، مخلفاً إرثاً من المسيرة الحافلة بالاقتدار المحتفلة بالقرار أينما حل وحيثما رحل.. بقي عزاً وطنياً ورمزاً أميرياً بكته الأعين وودعته الأنفس في أم القرى التي جال فيها أميراً ومحباً ليحتضن ثراها الطاهر جسده الذي كان يحن إليها، مع كل قدوم إلى أرض الوطن بعد سفرة عمل أو تجارة أو علاج.. في مكة دُفن وفي حرمها المكي العامر بالفضل الغامر بالحسنى صلِّي عليه، وودع الوطن أحد أبرز أبناء الأسرة المالكة، وأشهر الشخصيات السعودية التي رسمت المسؤولية الحكومية والأمانة الاعتبارية والمشاركة الوطنية بخطوط عريضة من الإنجاز والاعتزاز والامتياز.