محمد سليمان العنقري
عبر رئيس شركة التصنيع إحدى أكبر الشركات بالمملكة في الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية عن صعوبات تواجه هذه الصناعة التي تعد الركيزة الثانية بالاقتصاد الوطني بقوله إنه لم تعد تنافسية «بسبب عدم توفر اللقيم بكميات كافية وارتفاع أسعاره وأسعار الطاقة» جاء ذلك على هامش مؤتمر يوروموني بمقابلة مع قناة الإخبارية السعودية.
بدايةً يبلغ حجم الاستثمارات بالصناعات البتروكيماوية في السعودية حوالي 550 مليار ريال بطاقة إنتاجية تزيد عن 110 ملايين طن ويقارب الإنتاج ما يعادل 8 % من الإنتاج العالمي وتراوحت قيمة صادرات المملكة من هذه المنتجات خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر من 330 مليار ريال ويعمل في القطاع حوالي 60 ألف موظف منهم حوالي 88 % مواطنون بينما يوجد 14 شركة صناعات بتروكيماوية مدرجة بالسوق المالي تبلغ قيمتها السوقية حوالي 400 مليار ريال وتتجاوز أرباحها 30 % من إجمالي أرباح السوق كمتوسط سنوياً.
وبالمجمل فإن الأرقام تدل على أن القطاع يعد أحد أهم دعائم الاقتصاد الوطني ويمثل القيمة المضافة الحقيقية للاستثمار بالنفط والغاز على مدى أربعين عاماً مضت وتم تهيئة بنية تحتية ضخمة بمدينتي الجبيل وينبع كلفت مئات المليارات مع بقية المرافق على مدى العقود الماضية، فهل وصل الحال بشركات القطاع لمرحلة فقدت تنافسيتها العالمية رغم كل الدعم والتحفيز لسنوات طويلة شمل مع ما ذكر تقديم قروض ميسرة من صندوق الاستثمارات العامة للشركات التي يملك بها حصصاً وأيضا من صندوق التنمية الصناعي الذي استحوذ هذا القطاع على النسبة الأعلى من قروضه لكافة الشركات بمختلف أنشطتها فأين كانت الجهات الحكومية الممولة عن بحث تطوير هذه الصناعة وتعزيز تنافسيتها عند تقديمها للقروض بعشرات المليارات خلال العقود الماضية حتى تضمن حقوقها وتقليل المخاطر على الأموال التي أقرضتها والأهداف التنموية المرجوة من تلك القروض.
إن الإشارة بفقدان تنافسية القطاع للأسباب المذكورة بتصريح المهندس مطلق المريشد لابد أن يفتح الباب على تساؤلات مهمة أولها لماذا لم تنتبه الشركات والجهات التنظيمية وأيضا الأذرع الحكومية الممولة لها عند دراسات الجدوى والتشغيل والتطوير إلى أهمية مستقبل التنافسية للقطاع مع تغيير أسعار اللقيم الذي لم يطرح فجأةً بل كان معروفاً منذ أعوام طويلة بأنها سترتفع وكان العام 2012 م قد حدد سابقاً ليكون بداية لرفع أسعار اللقيم وتم التأجيل لأسباب تتعلق بطلب الشركات لوقت حتى تستعد للأسعار الجديدة والتي تم أول رفع لها العام الماضي 2016م أي بعد أربعة أعوام وهي كافية للتهيئة وتطوير التشغيل وتكاليفه بينما أسعار الطاقة رفعت منذ عدة أعوام.
فالتنبيه لفقدان تنافسية القطاع يتطلب تحركاً من وزارتي الطاقة والتجارة لمعرفة واقع الشركات وفهم أسباب ضعف التنافسية لأنه لا يمكن فقط الارتهان للحفاظ على المنافسة عالمياً من بند واحد هو رخص أسعار اللقيم والطاقة، فأين هي البحوث النوعية لتطوير التشغيل ورفع كفاءته لتخفيض التكاليف، وبالمقابل لماذا غابت الجهات الرسمية المعنية بدعم وتمويل القطاع عن متابعة تطويره ورفع تنافسيته بعيداً عن تركيز التحفيز بالأسعار الرخيصة للقيم والطاقة! فمن الواضح أن هناك تراخياً من كل الأطراف سواء الشركات أو الجهات التنظيمية بمتابعة تحسين أداء الشركات وتهيئتها لتنافسية دولية على أسس صحية ليكون رخص الأسعار ربحاً إضافيا يجعل منها شركات قوية مالياً لتزيد باستثماراتها وتنوع بمنتجاتها وتنتقل لأجيال من المنتجات أكثر أهمية وقيمة وتدخل مباشرة بالمنتج النهائي للسلع المصنعة دولياً ومحلياً.
فقدان التنافسية الذي لوحت به إدارات الشركات سابقاً وحالياً بسبب رفع أسعار اللقيم والطاقة غير مبرر وذلك لعدم النظر لتحولات المستقبل واستسهالها للربح من المزايا النسبية المعروفة دون توازن بتطوير أساليب وأدوات وطرق التشغيل وكيف تنتقل لتنافس الشركات العالمية التي لا تحظى بأي تحفيز مشابه وبنفس الوقت فإن الخلل لا يمكن أن يتعدى الجهات المنظمة والمستثمرة والممولة بعدم مواكبتها لتطورات التنافسية الدولية وفهم كامل لطبيعة قدرتنا على المنافسة مع ضرورة أن تبقى الميزة النسبية التي نتميز بها عن غيرنا بتوفر إنتاج اللقيم رخيص التكلفة، مما يتطلب تأسيس مجلس مختص بهذه الصناعة يضم ممثلين عن المصنعين والجهات الداعمة أو المنظمة أو الممولة لبحث مستقبل الصناعة ومعرفة التحديات أمامها ودراسة مستقبل رفع أسعار اللقيم المقررة خلال الأعوام الثلاث القادمة وكذلك أسعار الطاقة والوقوف على التقنيات المستخدمة وكافة أبعاد عمل هذه الصناعة للخروج بحلول منطقية ولا تكون مبنية على نظرة الشركات التي تهدف للربح السهل والعيش بزمن اللقيم الرخيص دون تنافس صحي مع الخارج وكذلك لا أن تبقى عوائد بيع اللقيم بهذا الرخص دون تحقيق فوائد كبرى من تقديمه بهذه الأسعار تنعكس على الاقتصاد المحلي بقيمة مضافة وعوائد أعلى.